سؤالان يثيران اهتمام الاوساط الرسمية والسياسية والشعبية ولا جواب مقنعا عنهما حتى الآن. الاول: ماذا ينتظر العماد ميشال عون ليقرر مع نواب كتلته حضور جلسة انتخاب رئيس للجمهورية؟ والآخر: ماذا ينتظر “حزب الله” ليقرر سحب مقاتليه من سوريا علّ الساحة اللبنانية تهدأ ويتوقّف تفجير السيارات المفخخة؟ فإذا كان العماد عون ينفي مقولة: “أنا أو لا أحد” المنسوبة إليه، فما عليه سوى أن يحضر جلسات انتخاب رئيس الجمهورية ولتنتخب الاكثرية النيابية المرشح المناسب للمرحلة الدقيقة التي يمر بها لبنان والمنطقة. وهو ما يقضي به النظام الديموقراطي منذ استقلال لبنان ولم يلجأ أي حزب او تكتل في الماضي الى مقاطعة هذه الجلسات لأن الحضور هو واجب وطني، ومن يتخلف عنه يتحمل المسؤولية التاريخية امام الله والوطن. فالديموقراطية تسمح بالتنافس بين المرشحين لكنها لا تسمح بتعطيل ممارستها. واذا كان العماد عون ينتظر جواب الرئيس سعد الحريري فإن هذا الجواب بات معروفا وهو انه غير مستعد لأن يلعب في ملعب الموارنة، اي ان على عون ان يتفاهم مع موارنة 14 آذار. واذا كان ينتظر موافقة حليفه “حزب الله” على حضور جلسات الانتخاب ولا يظل مقاطعا تضامنا مع الحزب، فقد تكون للحزب في موقفه هذا اهداف غير اهدافه. ثم لماذا يظل عون متضامنا مع حزب لم يتضامن معه في كثير من المواقف مثل التمديد لمجلس النواب والتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي؟ وهل هو أحرص من الرئيس نبيه بري على التحالف مع “حزب الله” عندما طلب بري من نواب كتلته حضور جلسات انتخاب رئيس للجمهورية ولم يتضامن مع الحزب في مقاطعته اياها لأنه في موقع يختلف عن موقع الحزب، اذ لا يعقل ان يدعو النواب الى انتخاب رئيس للجمهورية ويكون نواب كتلته من المقاطعين لها. فلماذا لا يكون موقف العماد عون متمايزا بما يجعله يخالف موقف “حزب الله” كونه زعيما مارونيا ولا مصلحة له في ان يتسبب بالشغور في أعلى منصب ماروني في الدولة ويجعل الحكومة التي ترث صلاحيات الرئاسة الاولى تختلف على تقاسمها وإلا يصح عندئذ ما كتبته رئيسة تحرير “النهار” نايلة تويني في مقالها الاثنين: “ان اختلاف الموارنة المعيب والمسيء الى الوطن يدفعنا جميعا الى هذا المأزق الذي تعيشه الجمهورية كلها. وان ما يتخوف منه موارنة من ضياع الرئاسة وتراجع قيمتها ودورها، إنما يتحملون هم مسؤوليته اليوم وغداً ولن ينصفهم التاريخ”. ويصح أيضاً ما جاء في كتاب الأباتي بولس نعمان تحت عنوان: “لبنان الموارنة الى اين؟”، وهو عنوان وضعه قصداً حتى يصدم ضمائر الموارنة وكل الضمائر التي لا تعرف قيمة لبنان الديموقراطي الحر المسالم. وقد استخلص الوزير الاسبق ميشال اده من الكتاب روح الكاتب في اشاراته الى ان “الصيغة الديموقراطية اللبنانية التي بادر الموارنة اليها هي التي صنعت مناعة لبنان وحصنته”. واعتبر رئيس الرابطة المارونية النقيب سمير ابي اللمع ان الكتاب “يحث الموارنة على الصحو وتوحيد كلمتهم”. وقال رئيس المجلس العام الماروني الشيخ وديع الخازن ان “السؤال الذي يطرحه الاباتي نعمان في كتابه يؤكد ان حالنا كموارنة بلغت حدا مقلقا”.
الواقع ان السنّة يتنافسون على رئاسة الحكومة لكنهم لا يقاطعون الاستشارات النيابية التي يجريها رئيس الجمهورية لتسمية الرئيس الذي يكلف تشكيل الحكومة، والشيعة يتنافسون على رئاسة المجلس لكنهم لا يقاطعون جلسة الانتخاب كما يفعل فريق من الموارنة بسبب تنافسهم على رئاسة الجمهورية.
هل يعقل ان يكون الرئيس بري اشد حماسة من الموارنة المقاطعين على عقد جلسة مكتملة النصاب لانتخاب رئيس للجمهورية، ويبحث عن الوسائل الناجعة التي يؤمن لها النصاب. وهل يعقل أن يكون السنّة والشيعة حريصين على انتخاب رئيس للجمهورية اكثر من الموارنة المقاطعين جلسات الانتخاب، تمسكاً منهم بالميثاق الوطني الذي يشكل الموارنة الركيزة الاساسية فيه؟
اما “حزب الله” فماذا ينتظر ليحضر نوابه جلسة انتخاب رئيس للجمهورية ولا يستمر في ممارسة لعبة اضاعة الوقت وجعل العماد عون يصر على ان يكون هو المرشح الوحيد والا فلا انتخابات لتبقى الرئاسة الأولى ورقة ضغط ومساومة في يد ايران ؟
وماذا ينتظر “حزب الله” ليسحب مقاتليه من سوريا، هل ينتظر تحقيق انتصاره الكامل ليس على خصوم نظام الاسد فحسب بل على المجموعات الارهابية ليحول دون وصولها الى لبنان؟
الواقع ان المجموعات الارهابية لا يقضى عليها بقوة السلاح لأن من يفضل الموت على الحياة يبقى اقوى من اي سلاح. وان لا شيء يقضي على الارهاب والارهابيين سوى الوحدة الداخلية التي تمنع وجود بيئة حاضنة لهم.