IMLebanon

ما الذي تخبّئه قضية الأسرى العسكريين من أخطار وأسرار؟

كما رجّح كثر، أسرت قضية العسكريين الذين وقعوا في قبضة تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” ومن لفّ لفّهما إبان معارك عرسال قبل نحو أسبوعين الوضع السياسي والامني في البلاد والى أجل غير مسمى، وبالتالي صارت الأمور مفتوحة على احتمالات التصعيد والتعقيد والفصول المتتالية.

لم يعد خافياً ان وزراء وشخصيات رفعوا خلال الايام الماضية شعاراً عنوانه الدفع بهذه القضية الحساسة الى الظل، او على الأقل تبريدها، عبر الدعوة الى سحبها من التداول تحت ذريعة انها مسألة امنية بالغة الحساسية، وبالتالي ينبغي ان تبقى طي الكتمان، او على الأقل الاستعانة بالكتمان لقضاء هذا الأمر. لكن تلك الدعوة لم تجد صداها المطلوب لاعتبارات عدة أبرزها:

– ان المسألة الاصل التي ولدت قضية المخطوفين في خضمها أي معارك عرسال، ما فتئت الشغل الشاغل لقطاع واسع من الرأي العام لا سيما ان جهوداً حقيقية لم تبذل لتبديد الغموض والالتباس الذي اكتنف القضية برمتها، اذ لم يبح المعنيون بأية معلومات او ايضاحات مقنعة تضع الحقائق أمام النور، لا بل ان هناك من اتبع نهجاً بدا معه وكأنه يداري فضيحة وصولاً الى انسحاب المسلحين من البلدة الى الجرود ومعهم الاسرى العسكريون الـ37، الى الدخول المفاجئ لهيئة العلماء المسلمين على خط الوساطة، الى درجة ان ثمة من بدأ يوجه أصابع الاتهام وحشر المؤسسة العسكرية في الزاوية عندما طالبها صراحة بلجنة تحقيق تميط اللثام عما يمكن أن يكون اختبأ وتوارى من حقائق وأضاليل.

– ان ثمة بوناً شاسعاً بين القول سابقاً إن الجيش بسط سيطرته في داخل عرسال وبين وقائع ذكرت خلال الساعات القليلة الماضية ان المسلحين ما زالوا يدخلون البلدة ويخرجون منها ساعة يشاؤون وانهم يفعلون ما يريدون من دون حسيب أو رقيب.

– ان عملية التفاوض الأولية لاطلاق المخطوفين هي عينها اكتنفها غموض وتناقض جلي، فضلاً عن ضياع المسؤولين والمسؤوليات، خصوصاً ان ثمة من أحاط وساطة هيئة العلماء بكثير من الشكوك والتساؤلات مما أدى في نهاية المطاف الى تجميد الجهات المعنية في السرايا الحكومية لدورها بعدما حملت الهيئة الى هذه المؤسسة مطالب ملتبسة ومحرجة توحي بأن هذه الهيئة تعمل لخدمة مشروع خاص يروج ضمناً لما يريده المسلحون.

– سرت في الآونة الأخيرة أجواء مفادها ان ثمة مخاوف من ان يأتي حين من الدهر يقدم فيه ذوو المخطوفين على أفعال مضادة مثل الاقدام على عمليات خطف على غرار ما فعله ذوو المخطوفين في اعزاز السورية، خصوصاً ان هناك من يتوقع ان تطول فترة الخطف، وان ثمة من بدأ يروج لمسألة ان مخطوفي اعزاز ما كانوا ليطلقوا ويخرجوا الى الحرية لو لم تحصل عمليات خطف للمبادلة وممارسة الضغوط.

– الى ذلك، ثمة معطيات تشير الى ان الخاطفين سيلعبون لعبة توزيع الادوار بين بعضهم البعض، فضلاً عن انهم سيلعبون لعبة تحريك الجروح ونكئها واثارة مناخات من التخويف بين يوم وآخر من خلال ارسال الاشرطة المصورة ومن خلال التهديد بقتل مخطوفين بعينهم الأمر الذي سيفتح الباب أمام ردود فعل.

– هناك من بدأ يتحدث عن تباينات وخلافات داخل أوساط الجهات الرسمية التي تعتبر نفسها معنية بالأمر، وهو ما يمكن ان ينعكس سلباً على مصير القضية، خصوصاً ان هناك في داخل هذه الاوساط من لا يريد اعطاء ادوار لعواصم خارجية بعينها، في حين ان هناك من يرى ان الأمر لا يحل إلا عبر هذه العواصم استناداً الى نتائج دورها في قضية مخطوفي اعزاز.

أمام هذه المعطيات السلبية، وحيال خطورة الموضوع، لا شك في أن هناك من يسأل: هل حزمت السلطة اللبنانية أمرها فعلاً وأعدت خطة مقنعة لكل المكونات والاطراف السياسيين بغية ادارة ملف هذه القضية؟ واستطراداً، هل سلّم الجميع فعلاً وعن رضا وقبول تأمين أمر هذا الملف الى قناة رسمية واضحة؟

حتى الآن لا يمكن أي مراقب ان يقتنع بأن القضية وضعت على السكة السليمة والمحددة وان هناك جدية او حراكاً يبعث على الاطمئنان الى مستقبل هذه المسألة. فكل ما فعلته الجهات المعنية هو بث المواعيد واطلاق التعهدات التي يبدو انها ترمي الى غرض واحد هو تهدئة ثائرة أهالي المخطوفين تحت عنوان: ثقوا بنا… أولادكم سيعودون اليكم. لكن الواضح ان هناك من يخشى ان ينتهي مفعول هذه التهدئة، خصوصاً أن ما من شيء يوحي بأن الخاطفين هم على استعداد للتعاون الجاد او إبداء المرونة، ذلك أن الجهة الخاطفة عادت لتعقد الأمور في الساعات القليلة الماضية من خلال تظهير نفسها في قلب عرسال، وهي بعثت رسالة فحواها انها ما زالت تمسك بزمام الأمور خلافاً لكل ما قيل في السابق، وهو على ما يبدو نهج ستلجأ اليه كلما رأت انها بحاجة اليه لتعزيز مواقعها.

وبناء على كل هذه الوقائع والمعطيات ثمة من بدأ يفصح عن استنتاج فحواه انه اذا كانت “داعش” واخواتها ومستنسخاتها قد استنكفت لسبب أو لآخر عن التمركز والتموضع المباشر في الداخل اللبناني، فهي قدمت في الايام القليلة الماضية اكثر من برهان عملي على انها نجحت في استرهان هذا الداخل اللبناني وجعله الى حد بعيد اسير مراميها وحساباتها المطاطية والمعقدة الى أجل غير مسمى، ويكفي مثلاً على ذلك هذا السجال الدائر حول دور مؤسسة كانت حتى وقت قصير فوق السجالات والشبهات.