ما بعد الجلسة الأولى: المتبارون يخرجون من السباق لمصلحة التوافق!
خارطة توزُّع الأصوات: جعجع بين 48 – 50 .. وعون يعتصم بالورقة البيضاء.. والوسطيّون مع حلو
كتب المحرر السياسي:
في أول يوم عمل، بعد عطلة عيد الفصح للعام 2014:
استعادت قرية الطفيل اللبنانية انتماءها الى الدولة في عز الحرب السورية، واستعادت الجمهورية حرارة الاستعدادات لانتخاب رئيس جديد «رمزاً لوحدة الوطن»، مهمته السهر «على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة اراضيه»، على حد تعبير الرئيس ميشال سليمان الذي بدأ العد العكسي لانتهاء ولايته، باعلان النائب وليد جنبلاط الالتزام باستكمال «مسيرة الرئيس التوافقي»، الذي تمثل بالرئيس سليمان وفي «اعلان بعبدا» والنأي بالنفس والبحث عن الاستراتيجية الدفاعية.
قضي الامر على جبهة التمديد، لكن المسألة لم تحسم على جبهة تعديل الدستور لمصلحة هذا الموظف او ذاك، من موظفي الفئة الاولى، التي تتطلب الاستقالة قبل ستة اشهر من الوظيفة للترشيح للانتخابات الرئاسية، وهذا لم يحصل لا مع قائد الجيش العماد جان قهوجي، ولا مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إلا انه لم يسقط فرصتهما من السياق الرئاسي، ما دامت الجلسة الاولى التي ستنعقد اليوم لم يصعد معها الدخان الابيض لا من ساحة النجمة ولا من ساحة التوافق بين الكتل الكبرى، او من العواصم المعنية التي من المؤكد انها لن تغيب عن المشهد الرئاسي، خلافاً لما يضج في مخيلات اللبنانيين من ان الاستحقاق دخل عصر اللبننة هذه المرة.
واستناداً الى بيانات الكتل التي اجمعت جميعها، كل واحدة على حدة، من عين التينة، الى بيت الوسط، الى الرابية فطرابلس وكليمنصو، اما كتيارات مثل 14 آذار التي اجتمعت على مستوى القيادات واعلنت دعمها لترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، مما يعني انها ستصوت لصالحه، او المشاورات التي تمت بين قوى 8 آذار والتي اعتبرت ان كتلها ونوابها متراصة خلف الموقف الذي اعلنه النائب اميل رحمة الذي حلت الورقة البيضاء مكانه في التصويت في مواجهة جعجع بالدرجة الاولى والمرشح الاشتراكي النائب هنري حلو في الدرجة الثانية، استناداً الى البيانات، فإن النصاب سيكتمل، لكن عدد الحضور من الصعب حصره، لان بعض النواب وبعض الكتل وزعت سيناريو المشاركة والغياب والتصويت والورقة البيضاء، وفق المعادلة التالية: جلسة بنصاب كامل واقتراع لا يوصل الى رئيس جديد.
اذاً، بغياب التوافق، تعبر الجلسة الاولى عن نفسها، تجميع للنواب وبعثرة للاوراق، وسط اسئلة جديدة من شأنها ان ترسم المشهد المتعلق بالاستحقاق الرئاسي، بدءاً من غد الخميس، بعد ان يكون المجلس قد ادى قسطه للعلى، والقى الرئيس نبيه بري الحجة على غيره، بانتظار فرصة جديدة، عنوانها التوافق الآتي من وراء الحدود، لا سيما التوافق السعودي – الايراني المدعوم اوروبياً واميركياً وروسياً.
لماذا سارت الامور على هذا النحو؟!
1- في غياب التوافق، آثر الفريقان 8 و14 آذار الحفاظ على وحدتهما مقابل المغامرة بخيارات غير محسوبة. هكذا امتنع العماد ميشال عون عن اعلان ترشحه، ما دام التوافق الخارج عليه لم يظهر بعد، فاحتفظ بترشحه الضمني في الورقة البيضاء، حيث رفض عون ترشيح رحمة حتى لا تصبح المناورة حقيقية. وهكذا آثر حزب الكتائب الا يتحمل مسؤولية اضعاف وحدة 14 آذار، ما دامت فرصة جعجع ضعيفة في الوصول إلى سدة الرئاسة الأولى.
2 – اتخذ النائب وليد جنبلاط المبادرة، فرشح النائب حلو، وشكلت اشادته بكل من الرئيسين سليمان ونجيب ميقاتي اصراراً على تكريس النهج الوسطي، وابلاغ من يعنيه الأمر الداخلي والخارج، انه هو «بيضة القبان» في ميزان التوازنات الداخلية بين فريقين متصادمين، بعدما استعاد وحدة «اللقاء الديمقراطي» والذي ساهمت مشاركة النائب مروان حمادة في اجتماع 14 آذار، في إحداث تشويش على مدى التزام حمادة واثنين من اللقاء لمصلحة حلو أو لمصلحة جعجع. بمعنى ما أن لا إمكانية لفوز أي مرشّح للانتخابات الرئاسية لا بـ86 صوتاً أو 65 صوتاً لا في الدورة الاولى ولا في أي دورة أخرى ما لم يحدث التوافق، او يدعم جنبلاط احد الفريقين.
3 – اما الفريق الشيعي، لا سيما «حزب الله»، فهو الذي ينتظر «كلمة السر» عن التوافق الإقليمي على المرشح ليعمل بموجبها، سواء على صعيد الاقتراع أو الامتناع الذي قد يصل إلى الامتناع عن المشاركة في الجلسات للحؤول دون وصول مرشح معاد للمقاومة. وهو في إطار اللعبة المتبادلة مع تيّار «المستقبل» اصطف وراء النائب عون ورقة بيضاء أو اميل رحمة، قبل استبعاد الخيار الثاني.
هذا على صعيد اللعبة في مجلس النواب، اما في السياسة فمضى الحزب في شن حملة دعائية قوية في وجه جعجع، سواء عبر «المنار» أو الإعلام الخاص به، او الحليف، او عبر المساهمة في تحريض الشارع الطرابلسي أو الصيداوي في تحركات معادية لجعجع على الأرض بذريعة انه «قاتل رئيس الحكومة السابق الشهيد رشيد كرامي».
4 – وبالنسبة للكتل والشخصيات المستقلة، فهي ارتأت ان تتصرف وفقاً للمصالح الانتخابية المقبلة، ولا صلة لمواقفها بالاستحقاق. وهذا ما ينطبق على نواب طرابلس الأربعة الذين قرروا عدم التصويت لمصلحة جعجع وهم: الرئيس نجيب ميقاتي والوزيران السابقان احمد كرامي ومحمّد الصفدي والنائب «المستقبلي» محمّد عبداللطيف كبارة.
اما مسيحياً، فنأى النائبان روبير غانم ونقولا فتوش عن تأييد جعجع، وإن كانا ليسا بالضرورة سيصوتان لمصلحة حلو أو الورقة البيضاء، مع العلم ان غانم أعلن ترشحه كرئيس اعتدال للانتخابات.
يبقى أن النائبين الارثوذكسيين ميشال المرّ ونايلة تويني سيصوتان وفقاً لمزاج اللحظة الأخيرة، وإن كانا يجريان حسابات انتخابية كسواهم.
هذه معطيات ما قبل الجلسة، اما ماذا سيحدث فالمسألة ستسير على النحو الآتي، وفقاً لما هو متوقع لسيناريو الجلسة: يتأمن النصاب بأكثر من 86 نائباً، سيدخل الرئيس برّي ويعلن انعقاد الجلسة وتتلى المواد الدستورية المتعلقة بها، ولا سيما المادتين 73 و49، أمام الشخصيات الدبلوماسية المدعوة ورجال الإعلام، ثم تدور الصندوقة الزجاجية لجمع الأصوات وإعلان النتائج.
المتوقع، حسب الخبراء، أن تجري عملية الاقتراع، وفق التوزيعة الطائفية التالية:
أولاً – مسلمون:
1 – سنّة 27 نائباً، يتوقع أن يصوت منهم 19 لمصلحة جعجع.
2- شيعة 27 نائباً، يتوقع أن يصوت منهم إثنان لمصلحة جعجع هما النائبان أمين وهبة وغازي يوسف، لأن النائب الشيعي الثالث عقاب صقر هو خارج لبنان.
3- الدروز 8 نواب: كلهم سيصوتون لغير مصلحة جعجع في حال التزم النائب حمادة قرار «اللقاء الديمقراطي».
4- علويون 2 نائبان: سيصوتان لمصلحة جعجع.
فيكون العدد 24 مع جعجع من أصل 64 نائباً.
ثانياً: مسيحيون:
1- موارنة: العدد 35 نائباً، 9 أو 10 نواب سيصوتون لجعجع، بمن فيهم النائب دوري شمعون.
2- أرثوذكس 14 نائباً، سيحظى منهم بين 10 و11 نائباً.
3- كاثوليك 8 نواب: ثلاثة سيصوتون لمصلحة جعجع.
4- أرمن: ثلاثة سيصوتون لمصلحة جعجع من أصل 5 نواب.
5- أقليات: إثنان لمصلحة جعجع.
ويتراوح المجموع في 48 و52 صوتاً إذا لم تحدث مفاجآت دراماتيكية.
أما المرشح هنري حلو فسيتجاوز الـ 15 صوتاً، إلا إذا ارتأى الرئيس بري والنائب المر التصويت لمصلحته، لكن مصادر بري أكدت أن نواب كتلة «التنمية والتحرير» سيصوتون للورقة البيضاء التي «ستفوز» بوجه جعجع بـ 57 صوتاً من دون أن تنتج رئيساً.
وبقراءة سريعة لهذه النتائج المتوقعة من الجلسة، فإن ما يمكن أن يقال بالنسبة للجلسات الأخرى، يظل محكوماً بمجموعة عوامل، أهمها موعد الجلسة الثانية، والترشيحات الجديدة والتحالفات التي يمكن أن تحصل، كإعادة خلط أوراق، على غرار ما حصل في ظروف أخرى.
وبطبيعة الحال، فإن أي عامل من هذه العوامل، لا يفترض أن يتبلور إلا من خلال تحديد الجلسة الثانية، بمعنى أن مصير هذه الجلسة سيظل محكوماً بدوره باحتمال تطيير النصاب، إذا لم يحصل توافق، يكون من نتائجه ظهور مرشحين جدد أو تحالفات جديدة.
واستناداً الى هذه القراءة، يمكن توقع سيناريوهات أخرى، يكون من أبرزها خروج جعجع من السباق الرئاسي، على اعتبار أن التوافق يحتم ابتعاده، ودخول الرئيس الجميّل الى الحلبة كمرشح لقوى 14 آذار، باعتبار أنه يستطيع أن يحدث اختراقاً في صفوف 8 آذار، ومعه احتمال عودة الفريق الثاني الى ترشيح العماد عون كمرشح توافقي، مستفيداً من التفاهمات التي سبق أن أرساها مع تيار «المستقبل».
وفي كل الأحوال، فإن جنبلاط سيكون عليه أن يرسم الطريق مجدداً لرئيس وسطي أو متوافق عليه أو أقرب الى الوفاق الوطني من سواها، إذا ما حسنت النيّات بالوصول الى رئيس، وإلا فإن الفراغ سيكون النتيجة الحتمية لعدم توافق الفريقين على مرشح من خارج الاصطفاف السياسي القائم.
وفي السياق نفسه،أشارت مصادر سياسية مطلعة الى أن الخيارات التي سيعبّر عنها معظم النواب اليوم من خلال عملية الاقتراع، لا يمكن إلا أن تنم عن قرار ديموقراطي، وأن مشاركة الكتل في الجلسة الأولى يعكس رغبة في السير قدماً نحو إنجاز الاستحقاق الرئاسي، سواء في موعده الدستوري أو قبله أو حتى بعده، ولفتت الى أن الأيام الفاصلة عن كل جلسة انتخاب ستساهم في توضيح الرؤية بشأن هذا الملف توصلاً الى الصورة النهائية.
وأعربت عن اعتقادها أن عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية اليوم ليس بالضرورة أن يتحول الى مؤشر خطير يهدد العملية الديموقراطية برمتها في الجلسات المقبلة، لا سيما وأن حركة المشاورات في الأيام القليلة الماضية دلّت على إن هذاالملف بات يشكل أولوية لا رجوع عنها، علماً ان هذه المشاورات تواكبت بحراك داخلي واقليمي يفترض أن يواكب هذه المهل الفاصلة، تجلت في جولات عدد من الديبلوماسيين العرب والأجانب في بيروت إنطلقت قبل فترة تحت عنوان «منع الفراغ» و«إنجاز» الانتخابات الرئاسية في موعدها.
وفي مجال آخر، أوضحت مصادر وزارية ان أي موعد لإنعقاد جلسة جديدة للحكومة لم يحدد، مرجحة أن يصار إلى تحديد الموعد بعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية اليوم، من دون أن تستبعد احتمال انعقاد الجلسة غداً أو بعد غد، مشيرة إلى ان رئيس الحكومة تمام سلام والوزراء سيحضرون جلسة الانتخاب.
رغم انها لن تسفر عن أي انتخاب، وانه من غير المعروف ما إذا كان الرئيس بري سيحدد فوراً موعد الجلسة الثانية، أم أنه سيصار الی قذف الموعد حتى الأسبوع المقبل، وبطبيعة الحال فإن هذا الأمر رهن بما سيحصل بعد الانتهاء من عملية الاقتراع، وما اذا كان بري سيرفع الجلسة، أم يتم تطيير نصابها، علماً ان الرئيس بري ابلغ المتصلين به انه سيبقى ونوابه حتى آخر دقيقة في الجلسة، وسيكون آخر المغادرين.