IMLebanon

ما لدى صدام وآل الأسد ليس لدى إيران والمالكي و«حزب الله»

 

يأخذ الممانعون المُرهفون «على خاطرهم»، لأنّ أخصامهم لا يشاطرونهم الرؤية ولا الموقف حيال ما يحصل في العراق وسوريا، وخصوصاً تنامي نفوذ «داعش» في البلدين والهزيمة الواسعة التي منيت بها قوات حكومة نوري المالكي.

فبما أنّ الخطر الذي يمثّله «الإرهاب التكفيري» يشمل الجميع، أو بالأحرى يشمل أكثر الناس، أي المعتدلين والمتطرّفين دينياً من جهة الأقليات، والمعتدلين من جهة «الأكثرية السنية»، يلوم الممانعون أخصامهم المحلّيين، الذين تأخّروا عن الالتحاق بالممانعة نفسها، لردّ الخطر «الإرهابي التكفيري»، والتقريب بين المذاهب على وقع مواجهته.

المنطق الذي يواجه به الممانعون أخصامهم الآن هو أن «داعش» تحارب كل المذاهب والطوائف الدينية. بالتالي فإن عدم التزام خط إيران – حكومة نوري المالكي – النظام الأسدي «حزب الله» يعني التواطؤ معهم، ومع الفتنة المذهبية بين المذاهب والطوائف. بعد ذلك يتحوّل كل ممانع إلى مراسل حربي وعالم اجتماع في وقت واحد، ويُبدي استياءه من كون أخصام الممانعين «يشكّلون» في تركيبة الحراك العربي السني العراقي فلا يختزلونه في «داعش» وحدها، بل لا يقصّرون في التهوين من شأن «داعش» لمصلحة العشائر والبعثيين والنقشبنديين.

طبعاً، هذا التلاعب بالنسب والمقادير الميدانية والواقعية لا يقتصر على الممانعة نفسها، فسواء في سوريا أم في العراق ينبغي التروّي عند فحص المعطيات المتداولة. من يحصر القومية العربية السنية العراقية بـ«داعش» وبين من يقلّل حظّ «داعش» لا يفعل ذلك في الحالتين من موقع المسح الميداني، والنقل الملموس للواقع الملموس. كلٌّ يُسقط على الواقع مشتهاه، ثم يعود ويسحب هذا المشتهى ويقدّمه للناس على أنّه الواقع. لكن مهلاً، قبل أن تكون المسألة هي فحص نسبة «الداعشية» في الحراك العراقي والثورة السورية، من الجائز جدّاً الاستفهام حول هذه الشبكة الاقليمية التي تأخذ على الناس عدم الالتحاق بها لمواجهة الفتنة الطائفية والمذهبية ودحر الفكر الظلامي، والمتشكّلة من إيران، حكومة نوري المالكي، النظام الأسدي، «حزب الله».

في هذه الشبكة، وحده النظام السوري بمقدوره أن يسوق حججاً تبرّئيّة من تهمة المذهبية والطائفية، ولو أنها حجج لن تلبث أن تتهافت من تلقائها بعد نظر سريع في حاله، فكيف إنْ تعلّق الموضوع بمجازره؟

عقيدة هذا النظام قومية وعلمانية، وأركانه من كذا لون ومذهب، وعائلته الرئاسية تعيش وتلبس على النمط الغربي، وداعمو استمراره في أوروبا من الشيوعيين واليمينيين المتطرفين سواء بسواء. لكن إذا ما احتسبنا الطبيعة العسكرية لهذا النظام، والتركيبة الفئوية للضباط الأساسيين التي يقوم عليها، والصحبة المذهبية التي تدرج هذا النظام في سياق حلف تبعي مع إيران، لن تعود الحجج التبرئية والتجميلية ذات وقع ونفع. مع ذلك هو يمتلك عدّة النصب القومية العلمانية التقدمية هذه، ولم يبدّل كلمات النشيد الوطني السوري الذي يفخر بالأموية والعباسية «فمنا الوليد ومنا الرشيد».

أما الأطراف الأخرى في هذه الشبكة، فهي تنادي باستمرار الصراع مع «بني أمّية» صبحاً ومساء، ولا جلد لها للعبة من قبيل «التقدمية في مواجهة الرجعية»، بل هي إلى الرجعية أقرب. ومع ذلك، تريدك إيران الإسلامية، وحكومة نوري المالكي الإسلامية، و«حزب الله» (المادي الديالكتيكي؟)، أن لا ترى ما هم عليه من رابطة مذهبية مشتركة، يعيدون صوغها في أيديولوجيا دينية حديثة، سواء تعلّق الأمر بتلك الخمينية أم بعقيدة «حزب الدعوة» في العراق. الطرف نفسه الذي يلوم الناس لأنهم يزيّنون ما لا يزيّن في محنة العراق، يريدونك أن ترى ما يجمع إيران بالمالكي ببشار الأسد بـ«حزب الله» على أنه مشترك بريء من كل مذهبية وكل أيديولوجية دينية، هذا في الوقت نفسه الذي لا يتكلّف فيه لا النظام في إيران ولا المالكي ولا «حزب الله» في كتمان هذه المذهبية أو تلبيس هذه الأيديولوجية الدينية، بخلاف الهيمنة الفئوية التي يقوم عليها نظام بشّار الأسد، والتي تتبنّى أيديولوجيا علمانية، تبرّر بها حربها على الأنسجة الأكثرية الثائرة في المجتمع السوري، تماماً مثلما كان صدام حسين يتبنّى أيديولوجيا علمانية، يبرّر بها قمعه لأكثرية العراقيين. لكن لا إيران ولاية الفقيه ولا المالكي ولا «حزب الله» عندهم ما لدى صدام حسين وآل الأسد كي يكون بالمقدور عدم رؤية أنهم يمثّلون في الفتنة المذهبية الإقليمية جبهة متكاملة في صميمها، وليس جبهة متعالية عليها ومتأهبة لقطع دابرها.