IMLebanon

ما لم يُكشف عن معركة عرسال…

عند الساعة الأولى ظهر السبت الفائت، تداعت الفصائل المسلحة داخل عرسال الى اجتماع طارئ: قادة «داعش» و»جبهة النصرة» وفصائل «الجيش السوري الحر» واتخذت القرار فوراً بتشكيل غرفة عمليات مشتركة… صدر أمر العمليات: بدء الهجوم على مراكز الجيش اللبناني.

كان الجيش اللبناني قد أوقف عند الساعة الثانية عشرة أمير لواء «فجر الإسلام» عماد أحمد جمعة، الملقب «أبو أحمد»، وهو يحاول العبور بين المصيدة ووادي حميد على بعد 200 متر من حاجز الجيش اللبناني.

وإسم «أبو أحمد جمعة» ورَد الى مخابرات الجيش بأنه بايَعَ مع 300 من عناصره تنظيم «داعش» قبل ثلاثة أيام من التوقيف، وهو مطلوب أصلاً بمذكرات لارتكابه جرائم عدة، ويُعتبر من أخطر المطلوبين الّذين ورَد إسمهم خلال التحقيقات مع عناصر من شبكات إرهابية موقوفة لدى المخابرات.

وزَّع المسلحون بلدة عرسال الى قطعات:

– عمليات وادي الحصن ووادي عطا بإمرة «داعش».

– المهنية وثكنة 83 وتلة السرج بإمرة «جبهة النصرة».

– وادي الرعيان بإمرة «لواء الحق» و»الجبهة الإسلامية»… فيما تولّت بعض الفصائل المسلّحة الصغيرة الربط بين الجبهات وتأمين المستلزمات العسكرية واللوجستية والتدخل عند الحاجة بحسب أوامر غرفة العمليات المشتركة.

كانت مخابرات الجيش في هذه الأثناء قد نقلت جمعة الى مخفر رأس بعلبك للتحقيق معه، ولكن سرعان ما تدَهورت الأحداث دراماتيكياً.

بدأ الهجوم على مراكز الجيش، وكان الهدف الأول إسترجاع جمعة. بعض الفصائل المسلحة نأى بنفسه وأبدى تخوّفه من تدهور الأحداث بما يَنعكس على عرسال، ليس لخوفهم عليها، لكن تحسّباً لأيّ تطوّر يفقدهم السيطرة على بلدة اتّخذوا منها معقلاً وأمَّنت لهم على مدى ثلاثة أعوام قاعدة إمداد وملاذاً آمناً.

توزَّع هجوم المسلحين على محاور عدة في وادي حميد – المصيدة – وادي عطا – الحصن، وتمّ اقتحام أربعة مراكز للجيش اللبناني في توقيت متزامن، وهي مراكز في جرود عرسال من الجهة الشمالية المتّصلة مع جرود القلمون حيث يتمركَز المسلّحون في جرود واسعة متّصلة مع جرود رأس المعرة وفليطا ومزارع رنكوس.

ومن الجهة الجنوبية المتصلة باللبوة والقرى البقاعية، شنَّ المسلحون هجوماً على وادي الرعيان بفارق ساعة، لكنّ المسلحين فوجئوا بالتدخل السريع والمؤازرة الضخمة للجيش اللبناني، حتى أنّ بعضهم شكّك في البداية بسرعة التدخل هذه، فسُمعت نداءات على اللاسلكي تقول «إنتبهوا هجَم حزب الله»، باعتبار أنّ آليات «حزب الله» هي الأقرب، وقوّاته تتمركز في نقاط بقاعية عدة. ثم تبيَّن لهم سريعاً أنّ الجيش اللبناني كان على جهوزية تامة، فهو كان يتحسَّب لعمل عسكري منذ أن ورَدت إليه معلومات عن مخطّط لإقتحام بلدات بقاعية.

فقَد المسلحون السيطرة على المعركة، لأنّ الأحداث تدهورت بشكل خاطف. وهنا ارتبكت «داعش» و»جبهة النصرة»، فاستدركوا أنّهم دخلوا الى المعركة في التوقيت الخاطئ ومن المكان الخاطئ.

فهم كانوا يريدون من خلال الهجوم المنسّق خطف العسكريّين لمقايضتهم بجمعة وكَسر هيبة الجيش وبثّ الرعب بين صفوفه وإظهار صورة أنّهم يستطيعون أن يهاجموا المراكز ويأسروا عساكر عندما يُقرّرون، للضغط على الدولة والجيش حتى ينفّذوا لهم مطالبهم، من بينها إطلاق موقوفين في سجن رومية.

لكنّ الرياح أتَت بما لا يشتهون. وبعد 24 ساعة من المواجهات مع الجيش الذي نزل الى أرض المعركة بقوة، مستخدماً قوات النخبة لديه والوحدات الخاصة (المجوقل والمغاوير وفوج التدخل الخامس)، خسِر المسلّحون زمام المبادرة وخُرقت تكتيكاتهم العسكرية.

وكان المسلحون قد تمكنوا في هجماتهم التي اعتمدوا فيها على الهجوم المباغت والإنسحاب الفوري من أسر جنود للجيش اللبناني في عملية وادي الحصن، عندما استعملوا صواريخ «Concore» المضادة للدبابات، وفي هجوم المهنية وثكنة الـ83 حين توجّهوا بالمئات بآلياتهم وعتادهم، فأسروا 25 عسكرياً توزّعوا ما بين «جبهة النصرة» (11 عسكرياً)، «داعش» (9 عسكريين) وكتيبة «الشهيد بكر البكار المقنّع» (5 عسكريين)، بالإضافة الى 17 عنصراً من قوى الأمن الداخلي من فصيلة درك عرسال الذين خُطفوا في بداية المعركة، وقتل العشرات من المسلحين في هذه الهجمات.

نقل المخطوفون مباشرة الى جرود عرسال، في وقت قلب الجيش اللبناني معادلة المعركة واستطاع في مدة قصيرة تعزيز مواقعه وتحصينها ونصب مرابض مدفعيّاته على السفوح المجاورة والمطلة، ووجَّه ضربات قاسية الى المسلحين في معاقلهم ونقاط تمركزهم وأربَك حركة تنقلاتهم، وهنا تغيَّرت حسابات المسلحين، فوجدوا أنفسهم أنهم استُدرجوا الى معركة لم تكن في حسبانهم.

عن اللقاء العاصف بين «داعش» و«النصرة»

بعد ثلاثة أيام من بدء معركة عرسال، ومع دخول هيئة العلماء المسلمين على خط التفاوض بعد محاصرتهم، إجتمع قادة «داعش» (بقيادة أبو دجانة الفلسطيني) و»جبهة النصرة» (بقيادة أبو طلال الشامي الملقب «أبو طلال التل») و»لواء الحق» (بقيادة أبو جعفر عامر)، و»لواء وأعدّوا» (بقيادة أبو محمد الرفاعي)، و»لواء الفاروق» (بقيادة أحمد سيف الدين)، و»الكتيبة الخضراء» و»كتيبة الشهيد بكر البكار المقنّع»، و»الجبهة الإسلامية» و»جيش الإسلام»، وفصائل أخرى من «الجيش الحر»، وقد استمر الإجتماع نحو ثلاث ساعات، وكان عاصفاً.

فبدأوا بتقاذف المسؤوليات ورمي التهم وتهديد بعضهم البعض بالإنسحاب من المعركة حتى أنّ أحد القادة وجَّه كلاماً قاسياً إلى «أمير «داعش»، «أبو دجانة» الفلسطيني الذي استلم التنظيم بعد توقيف أبو أحمد جمعة، وقال له إنّ الفصائل لم تعد تريد جمعة، بل تريد فقط عودة الأمور الى ما كانت عليه وحماية «الثوار» الموجودين داخل عرسال، فأعلمها «أبو دجانة» أنه ينتظر مؤازرة كبيرة من «داعش» تقدّر بنحو 2000 مقاتل سيلتحقون للقتال معه، آتين من ريف حماه الشمالي الشرقي عبر الجرود (وصل منهم أمس 500 بعدما تعرّضت الأرتال لغارات من الطيران الحربي السوري)، لكنّ «جبهة النصرة» رفضت مواصلة المعركة، وطلبت من «داعش» الإنسحاب الى الجرد وترك السيطرة لها (النصرة) في داخل عرسال.

(إشارة الى أنّ «أبو دجانة» الفلسطيني إستلم قيادة تنظيم «داعش» في عرسال وجرودها بعد إصابة أبو حسن الفلسطيني، في معركة الحصن أولى أيام معارك عرسال، وهو توفّي بعد أربعة أيام. وأبو حسن الفلسطيني كان أمير «داعش» قبل صدور الأمر من أبو بكر البغدادي بتنصيب أبو أحمد جمعة كونه سوري الجنسية، وأبو حسن الفلسطيني يُعتبر من المهاجرين الذين لا يتسلّمون الإمارة إلّا بعد ستة أشهر من تشكيل التنظيم بحسب أحكام «داعش»).

في المحصلة، إنتهى الإجتماع بعودة التنسيق وتنفيذ الإتفاقية التي أصبحت بنودها معروفة، فانسحبوا الى الجرود وتركوا بند تسليم الجنود المخطوفين معلقاً وغامضاً كوسيلة ضغط أكبر، وكان الرأي بينهم أنّ لا يتم التسليم إلّا بعد خمسة أيام من بدء تنفيذ الإتفاقية، للتأكد من أنّ الجيش اللبناني لن يتعرّض لهم وهم يخرجون، ولن يتعرّض كذلك لأحد من الثوار على حد قولهم بعد خروجهم، وأن لا ينفّذوا مداهمات داخل البلدة، وأن لا يعتقلوا أحداً، وحماية مخيمات النازحين، وأن يُبقي الجيش اللبناني على الوضع القائم من دون التقدم الى الجرود.

هذه هي الشروط التي حملها المسلحون الى هيئة العلماء المسلمين، وعليه فإنّ التسليم يفترض أن يحصل بعد يومين، إذا لم يخلّ المسلحون بالإتفاق، وهذا سلوك ليس غريباً عنهم.

وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي بصحة جيدة، وقد قيل لهم عند أسرهم «عليكم الأمان»، في إشارة الى أنها كلمة عندما يقولها التنظيم المسلح، يعني أنّهم لن يتعرّضوا للخطر والقتل، باعتبار أنّ أسرهم هو من أجل المقايضة وطلب تنفيذ شروط.