IMLebanon

ما هو الفراغ؟

يعتقد المهولون بالفراغ الدستوري أنهم يرفعون في وجه اللبنانيين سلاحاً قاتلاً. وان عدم انتخاب رئيس للجمهورية سيكون كارثة على الكيان وعلى المواطنين الذين ستتوقف أعمالهم وسيعسر عليهم تدبر أمورهم.

لا كذبة في لبنان أكبر من هذه.

لغوياً، يمكن ان يكون الفراغ عكس الامتلاء. دعونا نتأمل «الامتلاء» الذي يعيشه هذا البلد صاحب المؤسسات الدستورية الشرعية والسيادة الناجزة. لا يخفى عن كل ذي بصر ان الاعوام العشرة الماضية التي بدأت مع التمديد المفروض للرئيس السابق اميل لحود، هي سنوات فراغ بكل معاني الكلمة، رغم وجود رئيس وحكومة ومجلس نيابي وقضاء وأجهزة أمنية وغير ذلك. تَكَرَّس الفراغ وتَعَمَّق بعد اندلاع الازمة الوطنية المستمرة منذ اغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري.

لقد أفضى انهيار الوصاية السورية الى شلل كامل في عمل الدولة التي لم تنجح في اقرار حتى موازنتها العامة منذ تسع سنوات وتصرف اعمالها على طريقة المياومة السياسية والاقتصادية. لا مشاريع اصلاح في الافق. لا تغيير سياسياً او اجتماعياً يمكن الحديث عنه. لا حياة، بالمعنى الواسع للكلمة، ههنا. تصريف اعمال وانتظار وتأفف من أمر واقع لا يحول ولا يزول.

في المقابل، لا حرب أهلية قريبة في لبنان لأن العالم ليس في حاجة الى «ساحتنا» في منطقة باتت ساحاتها اعرض من ان تستوعب الصراعات الاقليمية والدولية. ولا وظيفة اقتصادية هنا غير ملء بعض الفراغات في الاقتصاد العربي والعيش على تحويلات اللبنانيين في الخارج.

لقد مضى نصف عهد الرئيس ميشال سليمان، تقريباً، في ترقب تشكيل حكومات ائتلافية تضم القوى السياسية – الطائفية صاحبة الشأن. وفشل «نواب الأمة» في اقرار قانون انتخابات تشريعية فاستمرأوا التمديد لأنفسهم وسط توقعات بارتباط أي انتخابات نيابية مقبلة بالتسوية التي ستأتي برئيس جديد للجمهورية، وإلا فنحن على موعد مع تمديد يعقبه تجديد على النحو الذي فعله نواب مجلس 1972 لأنفسهم فظلوا على مقاعدهم – سعداء – عشرين عاماً بالتمام والكمال.

وفي حال نجح «الفرقاء» ورعاتهم الاجانب في التوافق على رئيس جديد، ما هو مشروعه الواقعي في هذه المرحلة العاصفة في دول الجوار؟ ليس سراً أن الكعكة الوحيدة الموضوعة على المائدة هي كعكة النفط والغاز. ما يُهم اليوم هو الكيفية التي سيجري بها تقاسم غنيمة النفط، بعدما جفت او تكاد تجف الموارد المالية من الغنائم السابقة. الرئيس المسيحي القوي هو الذي ينتزع حصة اكبر من الصفقات المقبلة لمصلحته ومصلحة الأقارب والأتباع. الرئيس الضعيف هو الذي يترك للشركاء في الوطن نصيباً أكبر من نصيبه. هذا الايجاز، على كاريكاتوريته، يدخل في صلب بازار الرئاسة اللبنانية. أما الحديث عن المشاريع والسيادة ومعالجة الأزمات المزمنة فحديث خرافة لا طائل تحته ولا يصدقه حتى الاكثر سذاجة من المواطنين.

فما من مرشح لديه القدرة أو الرغبة في معالجة تفكك الدولة في لبنان وقضمها من قبل قوى الامر الواقع، المسلحة والتي تتوق الى التسلح. وما من مرشح يملك ادنى تصور للخروج من تفاقم الفقر والعوز والتفاوت الفاضح في مستويات المعيشة ومأساة اللاجئين السوريين. وما من مرشح يعي حقاً جسامة التحولات الجارية في المنطقة ويملك فكرة لدرء لبنان عن آثارها. النوايا الحسنة والخطابات البليغة لا تصنع سياسة ولا تؤسس لمستقبل. وهذه بداهة لا يجهلها سياسيونا، لكنهم لا يبالون بها ايضاً.

وإذا كانت هذه صفات «الامتلاء»، فما هو الفراغ؟