قبل اشهر، وحين اُطلقت اولى شارات الانذار، بخطر وجود منظمات متطرفة في عرسال والشمال، جرى تبسيط الامر وكأنه فقاعة اعلامية، على الرغم من المعطيات الامنية الميدانية التي كانت تؤكدها مخابرات الجيش اللبناني واجهزة امنية اخرى، وجرى تصوير الامر على حد قول اوساط مواكبة للملف وكأنه استهداف سياسي لفريق الرابع عشر من آذار، بالتحديد «تيار المستقبل» الذي يحظى بثقل داخل الطائفة السنية، الى ان جاء «الاختبار» الداعشي لتحقيق اختراقات امنية خطيرة في الداخل اللبناني، كشفت خيوط ما يُخطط للبنان، وفق ارتباط مباشر مع ما يجري على الجبهتين السورية والعراقية.
وتسأل الاوساط، هل يُعقل ان لا تعرف السلطة السياسية من هم ضباط وجنود الجيش اللبناني المخطوفين لدى «داعش»، ليقول وزير سيادي ان المخطوفين من العسكريين لدى «داعش» عددهم يتراوح ما بين 35 و37، وهو احد المتمسكين داخل الحكومة باللجوء الى الحل السياسي لمعالجة اختطاف العسكريين في عرسال، «من دون دفع ثمن يتعلق بالسيادة او يمس بالدولة»، من دون ان يدري انه بمجرد الدعوة الى حل سياسي، مع مجموعات ارهابية وتكفيرية، تشكل فضيحة بحق السيادة، حتى ولو تمت تحت مسميات وهمية، كـ «حقن الدماء» وتجنب «حمام الدم» او التنبه من مخاطر «حرب استنزاف» التي قد تُشن على القوى الامنية اللبنانية.. لان لبنان «مش قدّا»، وفق ما قيل على طاولة سياسيين مرموقين في السلطة التي تجري خلسة، مفاوضات مُذلّة مع «داعش»، من دون ان تتلفت الى وضع القوة التسليحية للجيش اللبناني لتؤهله في الدفاع عن ثكناته ومواقعه ورد اي هجوم ضده، بل هي لجأت الى الحلول المعيبة، التي جعلت من رجال دين على صلة وتواصل مع «داعش» ورموزها، حتى اصبحوا اشبه بـ «سفراء» لـ «داعش» لدى الحكومة اللبنانية.
وتعتبر الاوساط، ان الهزلية غلبت على التعاطي الرسمي مع المجموعات الارهابية في ملف لا يليق بسلطة جادة في حفظ حياة اللبنانيين، وحفظ ما تبقى لها من سيادة، مشيرة الى ان الحكومة تلقت عشرات الانذارات من سفارات غربية لها ثقل في الشأن الاستخباراتي، كلها تؤكد وجود مخاطر حقيقية من داعش على لبنان، تُضاف اليها احاديث الصالونات السياسية ومنتدياتها الوزارية والنيابية والحزبية والروحية، التي تداولت مخاطر «داعش» بسيل من النكات عن «اسلام اليوم» ألذي يحمله «داعش»، من دون تقديم رؤية او اتخاذ اجراءات وقاية واحترازية تواجه هذه المخاطر.
وتلفت الاوساط الى ان المفاوضات الجارية في ملف المخطوفين العسكريين، وهبت «داعش» اوراق قوة جعلتها تطرح سلة من المطالب لابرام «صفقة تبادل»، منها اطلاق 10موقوفين ارهابيين مقابل كل جندي، وعدم محاكمة الموقوفين من انصارها وعدم «مضايقة» النازحين السوريين في تجمعاتهم او القيام بمداهمات داخلها وعدم التحقيق مع الجرحى، وكلها اوراق اضيفت الى ورقة المخطوفين من العسكريين، وهو الامر الذي شجع ظهور هيئات وجماعات قدمت نفسها، ومن دون ان تزعج احدا، كمفاوض حقيقي عن «داعش» و«النصرة» مع الحكومة اللبنانية، وشكل ذلك بيئة سياسية ودينية لبنانية جاهزة للتعامل مع «داعش»، فكان الامر طبيعيا تضيف الاوساط ان تقوم «هيئة علماء المسلمين» بعمليات نقل متتالية لتطمينات وصور وافلام فيديو ومطالب وشروط لـ «داعش»، حول ملف الجنود والعناصر الامنية المخطوفين لديها في جرود عرسال، والطلب من السلطات اللبنانية بعدم التسبب بازعاج منظمتي «داعش» و«النصرة» (!)، كي لا تتعثر عملية التفاوض بشأن مصير العسكريين، وقيام هيئة علماء المسلمين بالافراج عن عسكريين اثنين كـ «بادرة حُسن نية» او «من دون مقابل». وهناك من طرح الاسئلة حول اشتراط الجهة المفاوضة التي تنقل مطالب «داعش» عدم اجراء محاكمة الارهابي عماد جمعة، الذي اعترف بما كان يُخطط من هجمات على قرى شيعية مجاورة لبلدة عرسال، لاشعال فتنة شيعية ـ سنية، وهي محاكمة كان موعدها قبل ايام قليلة.
وترى الاوساط، ان «داعش» التي ظهرت كقوة باطشة ودموية، غزت دولا وسيطرت على اجزاء منها، وبنت دولة مسخ، بعد ان ابادت الاقليات التي لا تنتمي الى الاسلام، واجبرت مجموعات من هذه الاقليات الى ترك دينها وتبني الاسلام دينا جديدا لها ، تحت تهديد قطع الرؤوس وسبي النساء او بيعهن، خضعت لها السلطة في لبنان، في بقعة جغرافية حدودية محدودة ومحصورة، فكيف اذا تمكنت «داعش» من التوغل في الداخل اللبناني؟ اي ثمن ستجنيه؟. وتسأل الاوساط، من يدفع بتعويم بعض الشخصيات المتطرفة التي لعبت دورا توتيريا بين عرسال والجوار؟، وأمنت مناخا يلائم وجود «داعش» داخل عرسال، وتورطت هذه الجهات في عمليات امنية استهدفت الجيش اللبناني، ليس آخرها ما تعرض له الجيش مؤخرا، وهو استهداف حاول وضع الجيش اللبناني في موقع محرج امام الرأي العام، بفعل الخسائر التي قدمها من ضباطه وجنوده، شهداء وجرحى ومخطوفين، ما زال مصيرهم مجهولا، في قبضة «داعش».