IMLebanon

ما هي الأبعاد الخفيّة لرفض الرافضين مبدأ المقايضة مع خاطفي العسكريين؟

ثمة في أوساط مكونات المحور الايراني – السوري في بيروت من يدرج جولتي المواجهة الاولى والثانية في عرسال في خانة التطور الأكبر الذي شهدته المنطقة منذ 12 حزيران الماضي، وتحديداً يوم غزا تنظيم “داعش” مدينة الموصل وتمدّد في سرعة قياسية في 4 محافظات عراقية حتى بلغ مشارف بغداد وكردستان العراق، مما فتح الباب أمام أمر واقع جديد وأمام عهد جديد من المواجهات المفتوحة في هذا الاقليم منذ اشتعال فتيل الاحداث في الساحة السورية.

في ذلك الحين استشعر هذا المحور انه صار ازاء وضع صعب، وانه تلقى ضربة موجعة من المحور الذي يناصبه العداء ويخوض معه منازلة مصيرية يزج فيها بطاقات وجهود جبارة، مادية وبشرية. ففي تلك الفترة أوشكت جبهة العراق ان تترنح وتسقط لا سيما بعدما تبدّدت هيبة الجيش العراقي، جيش المليون جندي، الذي كلفت اعادة بنائه مدى 8 أعوام ما يقدر بـ25 مليار دولار، وصارت بغداد نفسها مهدّدة. وأكثر من ذلك اقترب تنظيم “داعش” من حدود إيران من جهة كردستان مما أعاد الى الذاكرة تجربة “طالبان” على الحدود الايرانية في افغانستان في منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي، والتي شرعت الأبواب أمام نذر حرب اقليمية. وباختصار عاشت الساحة العراقية لحظات بالغة الصعوبة والحراجة اضطرت معها أيران الى ان تحضر اليها بنفسها عبر خبراء وغرف عمليات وقوات نخبة، واضطر معها المرجع الأعلى للشيعة السيد علي السيستاني الى ان يدخل بكل قوته المعنوية والروحية طالباً من رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي ان يتنحى ويخرج من الواجهة الى الصفوف الخلفية في اطار جبه ما حدث وامتصاص تداعيات الصدمة.

وفي الساحة السورية نجح تنظيم “داعش” في تحقيق مكاسب ميدانية نوعية يعتد بها، خصوصاً بعد احتلال مجموعاته مطار الطبقة العسكرية في ظل معلومات تشير الى انه يستعد لاحتلال محافظتي دير الزور والحسكة المجاورتين وهو ما يمثل نحو 30 في المئة من مساحة سوريا.

وهكذا في خلال 3 أسابيع كان “داعش” القوة الصاعدة من خارج كل الحسابات والتوقعات والآخذة بالتمدد وحصد المكاسب، يهدّد المحور الايراني – السوري بخسران كل الانجازات الميدانية التي سبق له ان حققها بشق النفس في مناطق متعدّدة من الساحة السورية والتي أوشك معها هذا المحور على ان يرفع راية الوعد بالانتصار الحاسم والنهائي في القريب العاجل.

في ظل هذه المناخات أتت غزوة “داعش” وأخواتها لبلدة عرسال اللبنانية الحدودية لتشكل حدثاً نوعياً انطوى على رسالة لمن يعنيهم الأمر، فحواها ان ثمة مرحلة جديدة بدأت للتو في لبنان، وان المعادلة السابقة التي بدت راسخة لدى الكثيرين وجوهرها ان لبنان مصان بحماية مركبة تحول دون انتقال النار السورية اليه بشكل واسع ومفتوح، بدأت بالأفول لتحل محلها معادلة مختلفة.

وعليه ما كان بامكان “داعش” إلا ان يفعل ما فعله في الساحة اللبنانية ويلحقها بامارته والخلافة التي اعلنها وفق ما نقله بيان للجيش عن لسان القيادي “الداعشي” عماد جمعة لضرورات عدة أبرزها:

– ان صورة النصر الكبير الذي يطمع “داعش” ببلوغه لن تكتمل وتأخذ مداها الحيوي الأوسع من دون ان يفرض نفسه أمراً واقعاً على هذه الساحة، وان يدخل اليها غازياً على الطريقة التي دخل فيها، وان يصير شريكاً مضارباً في توازناتها الداخلية المعقدة والهشة في آن واحد، لا سيما بعدما استخدم في هذه الغزوة الاساليب عينها التي سبق له ان استخدمها في العراق وسوريا، والتي تروع الخصم وتنزل الرعب في نفسه وتوحي للجميع بأنه لا يرحم ولا يهزم. وتلا ذلك التطور الميداني المباغت، في رأي الاوساط عينها، مرحلة سياسية جديدة سعى خلالها جزء من فريق 14 آذار الى التهويل بما حصل ميدانياً وسياسياً بغية تكريس اهداف عدة ومشهد سياسي جديد من معالمه:

– الزعم ان لا مجال إلا اجراء المقايضة التي رفع المسلحون خاطفو العناصر الامنية اللبنانية لواء الدعوة اليها تحت ذريعة: لماذا الاحتفاظ بهذا الكم من رموز التطرف والارهاب التي ضاقت بها السجون اللبنانية وتحولت عبئاً على أمن البلاد واستقرارها وأوجدت خطوط تماس بالامكان الاستغناء عنها والتخفف منها مع المجموعات السورية المسلحة.

– اعطاء ادوار ووساطات لقوى وهيئات معينة على قاعدة ان لا قناة اتصال وتواصل مع الخاطفين إلا إياها، وذلك بعد شرعنة عملها ودورها وتغطية مبادرتها.

– العمل على تبييض صفحة وجوه ورموز تجاهر بعلاقاتها بالمجموعات المسلحة، وهي بالأصل موضع خلاف داخلي حول وضعها.

– العمل الجاد على ايجاد شرخ بين اهالي المخطوفين والقوى والتيارات السياسية المعارضة لمبدأ المقايضة.

– العودة الى نغمة الخطاب القائل بأن تدخل “حزب الله” في الميدان السوري هو بمثابة الخطيئة التي جعلت المجموعات المسلحة تغامر بالدخول الى عمق الساحة اللبنانية والتلاعب بتناقضاتها.

وفي رأي الاوساط عينها ان مجلس الوزراء ما كان ليأخذ الخميس الماضي القرارات الحاسمة برفض مبدأ المقايضة وفق ما طالب به الخاطفون الغزاة، لولا صمود المعارضين في الداخل من جهة ولولا التحولات الميدانية والسياسية التي سجلت في المنطقة بدءاً من اليمن مروراً بالعراق وسوريا. وهكذا لا تنكر مكونات المحور الايراني – السوري في لبنان ان هذا المحور قد نجح خلال الايام الماضية في استيعاب آثار الضربة التي تلقاها في منتصف حزيران الماضي، وأنه شرع في هجوم مضاد استعاد فيه بعض ما خسره، وإن كان يعترف بأن الأمور ما زالت في مراحلها الأولى.