في الشق اللبناني الداخلي من كلامه في الذكرى الـ14 للتحرير، كشف الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عن واقعتين اساسيتين، الاولى انه وحلفه السياسي اسقطا رهاناً عقدته اكثر من عاصمة واكثر من جهة على مسألة التمديد للرئيس ميشال سليمان، وهو رهان ظل بمثابة عرض حي حتى قبل 36 ساعة من مغادرة سليمان قصر بعبدا في رحلة الخروج النهائية وفق ما تقول مصادر على صلة بدوائر القرار في الحزب، والتي تضيف أن خلاصة عرض التمديد الذي أطلق عليه نصرالله مصطلح “الاغراءات” ضمانة تخلي سليمان عن كل خطابه السياسي المألوف تجاه مسلك الحزب السياسي وتجاه سلاحه المقاوم.
اما الأمر الثاني الذي ما زال يتخذ صفة المستقبل بعدما صار موضوع التمديد من الماضي، فهو كلام نصرالله عن “جدية” الحوار الدائر بين رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب العماد ميشال عون وزعيم تيار “المستقبل” الرئيس سعد الحريري.
ولعل هذا الامر استوقف المراقبين اكثر من سواه لاعتبارات عدة ابرزها:
– ان هذا الكلام يحجب كل ما عداه من كلام هامس وعلني تداولته بعض الاوساط السياسية الموضوعة في خانة قوى 14 آذار وفحواه ان الحوار الممتد بين عون والحريري هو خارج دائرة علم “حزب الله” ودرايته، واستطراداً خارج رغبته.
وعليه فان كلام نصرالله بهذا الشأن قطع الشك باليقين وأفهم من يعنيهم الأمر أن هذا الحوار مغطى من جانب الحزب وهو على علم بتفاصيله ومحطاته.
– ان كلام نصرالله يظهر بشكل او بآخر أن الحوار اياه، ما برح، رغم كل ما نطق به بعض رموز تيار “المستقبل” متواصلاً ومفتوحاً على احتمالات شتى، في مقدمها امكان ان ينتج تفاهماً يحلو للعماد عون ان يسميه تفاهم “الأقوياء”.
وهكذا فان الحزب ما انفك مقيماً في مرحلة التعويل على نتائج هذا الحوار وامكان بلوغه مسارات ايجابية خصوصاً بعدما سقط رهان التمديد والتجديد، ورهان امرار مرشح من فريق 14 آذار ووصول الأمور الى مرحلة الفراغ الرئاسي الذي من شأنه ان يغيّر المعادلات ويبدل الحسابات التي حفلت بها المرحلة الماضية.
وفي كل الاحوال فان الدوائر المعنية بملف الرئاسة في الحزب ما انفكت تعيش على وقع رأيين وحسابين في مجال انتظار نتائج حوار عون – الحريري، الاول يقيم على اعتقاد فحواه ان امكان بلوغه مرحلة التفاهم امر ممكن نظراً الى ان الخيارات امام فريق 14 آذار وتحديداً تيار “المستقبل” قد ضاقت الى اقصى الحدود، وبالتالي فان هذا التيار الذي تراجع عن شرطه عدم مشاركة “حزب الله” في اي حكومة ما دام الحزب منخرطاً في الميدان السوري، بعد طول مكابرة استمرت اشهراً متواصلة، بامكانه ان يبرر لاحقاً اي تغيير يحدثه في موضوع القبول بعون مرشحاً توافقياً ووفاقياً للرئاسة. وثمة في فريق تيار “المستقبل” من سأل الحريري عن جدية حواره مع عون وما يمكن ان ينجم عنه من نتائج فأجاب الحريري متسائلاً: “هل مشكلتي الأساسية هي مع عون ام مع فريق آخر؟”
وتعتقد الدوائر عينها ان استمرار الحريري في نهج عدم الحسم السلبي أو الايجابي مع عون ربما مرده الى رغبة زعيم التيار الازرق في اقناع من لم يقتنع بجدوى هذا الحوار مع عون من فريقه الذي يدرك تمام الادراك ان ثمة شريحة واسعة قد “تطبعت” على مسألة القطيعة مع عون ونهجه وسياسته السابقة.
أما الرأي الثاني فيتخوف من مآل هذا الحوار منطلقاً من تجارب سابقة تظهر عدم قدرة الحريري على المضي قدماً حتى النهاية في خيارات مصيرية من هذا النوع.
وأصحاب هذا الرأي يستذكرون بطبيعة الحال تجربة اتفاق عون مع الخليلين، علي حسن خليل وحسين الخليل في جدة عام 2007 والذي ما لبث الحريري ان انقلب عليه، وقد قيل يومذاك ان فريق الصقور في تيار “المستقبل” هو من قاد هذا الانقلاب بدعم من جهات دولية واقليمية معينة.
لكن اصحاب الرأي الاول يرون ان الظروف مختلفة والمعطيات مغايرة، فيومذاك كان فريق 14 آذار في ذروة قوته وصعوده وكان في عداده النائب وليد جنبلاط الذي ساهم، وفق معلومات، في اجهاض اتفاق جدة والحيلولة دون أن يأخذ مداه ويبصر النور خصوصاً انه لم يكن قد مر زمن بعيد على تحلل فريق 14 آذار من موجبات التحالف الرباعي.
وبمعنى آخر كان في مقدور فريق 14 آذار آنذاك ان يحكم لوحده وان يتحمل اعباء مواجهة فريق 8 آذار بمفرده، فضلاً عن أن عون نفسه وما يمثل لم يكن قد دخل يومها في تفاهمه الشهير مع نصرالله.
أما الآن فإن الوقائع السياسية والميدانية لا تسير بالضرورة لمصلحة توجهات فريق 14 آذار رغم شعور فريق 8 آذار بأن النائب جنبلاط قد بلغ من معارضته مجيء عون أو ابرام “تفاهم الاقوياء” ان يعود الى سيرته الاولى، أي سيرة الخيارات القصوى التصادمية.
وفي كل الاحوال، فإن الواضح ان “حزب الله” وقوى 8 آذار عموماً لا تجاهر الآن بأية خيارات أخرى، غير خيار الرهان على حوار عون – الحريري وتتعامل معه على اساس انه جدي…