لا يبدو أنّ الفترة الفاصلة عن نهاية المهلة الدستورية ستشهد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، الأمر الذي يجعل الأنظار تتجه إلى ما بعد 25 الجاري، وتحديداً إلى الخطوات التي يمكن أن يلجأ إليها العماد عون من أجل تحريك وصوله إلى الرئاسة الأولى وتسريعه.
كل المعلومات تؤكد على المعطيات الآتية: عون متمسّك بترشيحه ويردد أمام زوّاره أنّ خطأ تنحّيه في العام 2008 لن يتكرر في العام 2014. الموقف الخارجي ما زال عند حدود حثّ القوى اللبنانية على إتمام الاستحقاق الرئاسي ضمن المهلة الدستورية، وبالتالي لم يرق بعد إلى مستوى الضغط الفعلي لانتخاب رئيس. المستفيد الأول من غياب هذا الضغط هو عون الذي يدرك أنّ وصوله يصعب أن يتمّ ضمن المهلة ووفق آلية ديموقراطية برلمانية وعلى البارد، لأنّ أيّ ضغط لو حصل قبل 25 أيار هو من أجل تأمين النصاب ودفع الكتل النيابية إلى تحمّل مسؤولياتها باختيار رئيس من بين الأسماء الأربعة المدعومة من 8 و14 آذار، فيما الضغط بعد 25 أيار يمكن، باعتقاد عون، أن يتحوّل ضغطاً لانتخابه تلافياً للفوضى. الخط المفتوح بين عون والرئيس سعد الحريري لم يصل إلى مستوى دعمه رئاسياً وما زال يصطدم بالفيتو السعودي.
وحيال ما تقدّم، هناك من يقول إنّ العماد عون لن يبدّل بعد 25 الجاري السياسة التي اعتمدها قبل هذا التاريخ، والقائمة على إقفال الطريق أمام أي تسوية رئاسية أو انتخابات ديموقراطية بانتظار اللحظة التي ينضج فيها الموقف الخارجي الدافع لوصوله إلى الرئاسة الأولى. ولكن هذا الاحتمال يبقى ضعيفاً لأسباب معظمها ذاتية، وأبرزها أنّ عون يعتبر نفسه في سباق مع الوقت، وأنّ حالة الاستنفار الموجود فيها لا يمكن المحافظة عليها لوقت طويل، وأنّ السياسة التوافقية والتوفيقية التي يعتمدها يصعب استمرارها، وأنّ اللحظة التي اقترب فيها من «بعبدا» يمكن أن تتراجع مع الوقت والظروف، وأنّ تطبيع الوضع يضعف دوره وتأثيره ويقود إلى تهريب تسوية رئاسية.
وفي موازاة ما تقدّم أعلاه، هناك من يقول أيضاً إنّ عون سينتقل بعد انتهاء المهلة الدستورية إلى سياسة تصعيدية يتّكئ عبرها على معطيين: المعطى الأول خارجي وأوّلويته الاستقرار ويتطلّع إلى أي ترتيب يحافظ على الوضع الذي نشأ مع ولادة التشكيلة الحكومية، خصوصاً أن عون قطع شوطاً في تسويق نفسه خارجياً بأنه على مسافة من جميع القوى، وأنّ قوته تكمن في اقترابه من الحريري من دون الابتعاد عن السيّد حسن نصرالله، في خطوة تساهم في استكمال المشهد الحكومي وكسر الاصطفافات القائمة، فيما اقترابه من طرف وابتعاده عن طرف آخر يؤديان إلى تعزيز المشهد الانقسامي ويحوّلانه إلى نسخة مكررة عن الدكتور سمير جعجع والرئيس أمين الجميل…
والمعطى الثاني الذي يتكئ عليه عون يكمن في لعبه على وَتر تخويف الحريري من الفراغ الذي يقود تدريجياً إلى ضرب الاستقرار الذي نشأ مع الحكومة وصولاً إلى أخذ البلاد إلى مؤتمر تأسيسي يفرض فيه «حزب الله» شروطه، فيما الأولوية يجب أن تتركز على تقطيع المرحلة بانتظار تبلور المشهد الخارجي من دون المَسّ باتفاق الطائف والتوازنات التي أرساها.
وتأسيساً على وجهة النظر هذه، يُرجّح أن ينتقل عون إلى «Plan B» بعد انتهاء المهلة الدستورية لتحريك الوضع الداخلي بغية استجلاب التدخل الخارجي لتسريع وصوله، ومن مؤشرات هذه الخطة ما تسرّب من أفكار تمّ نقلها إلى البطريرك الماروني بأنّ الفريق العوني لن يكتفي برفض التشريع كما ينصّ الدستور مع تحوّل المجلس النيابي إلى هيئة انتخابية، إنما سَيشلّ عمل الحكومة أيضاً بالاستقالة، أو الأرجح بعدم تأمين النصاب لعقد جلسات حكومية بغية احتفاظ الوزراء بحقائبهم، ما يؤدي إلى تكرار المشهد السياسي إبّان الحكومة الميقاتية المستقيلة مع كل ما يمكن أن ينجم عنه من عدم استقرار سياسي وفوضى دستورية وانفلات أمني.
وهذا ما يفسّر سَعي العماد عون أخيراً إلى استبعاد الجنرال جان قهوجي، لأنّ توتير المناخ السياسي يعزّز من حظوظ قهوجي الرئاسية، فيكون وصول قائد الجيش إلى الرئاسة الأولى قد تمّ بفَضل رئيس تكتل «الإصلاح والتغيير» وبدَفع منه، ولكن هذا الاحتمال يبقى ضعيفاً أمام حجز عون «حزب الله» خلفه، والذي لا يملك ترف التخلّي عنه قبل التسوية السعودية-الإيرانية التي ما زالت بعيدة، فضلاً عن إرسائه تحالفاً مع تيار «المستقبل» يحرص الطرفين على استمراره.
إنطلاقاً ممّا تقدم، لا بد من التساؤلات التي تطرح نفسها: هل «حزب الله» في وارد إطاحة الاستقرار الذي يشكّل مصلحة حيوية له لاستكمال قتاله السوري إرضاء لمصالح عون، علماً أنّ الحزب كان أعطى الأولوية لاعتباراته المصلحية في التمديدين النيابي والعسكري؟ وهل الرئيس نبيه بري الذي يرفض أساساً شَلّ المجلس النيابي سيتضامن مع عون لشَلّ العمل الحكومي؟ وهل حدود تضامن الثنائية الحزبية الشيعية مع عون يقف عند حد الالتزام الضمني معه من دون مؤازرته بخطوات عملية؟ وهل يمكن أن يلجأ عون بالتكافل والتضامن مع «حزب الله» إلى تحريك مدروس للوضع بغية تسريع وصوله إلى «بعبدا»؟
وفي ظلّ هذا الوضع، لا خيار أمام 14 آذار سوى رفض أيّ ابتزاز من طبيعة أمنية أو دستورية، والتمسّك بموقفها القاضي بإيصال مرشّح من صفوفها.