لم ينتخب رئيس للجمهورية بعد، وقد يتأخر الأمر أكثر، أو أقل، مما يقول “المنجمون”، سياسيين وصحافيين، يستندون الى مصادر، لا يعرف هويتها غيرهم.
كل متوقعي التأخير، يربطونه بالانقسام السياسي بين 8 و 14 آذار. حتى إن الشيخ نعيم قاسم، نائب أمين عام الحزب المتسلط، يزيد “ان مستوى الحدة في الخلاف، كبير جداً الى حد ان لا أحد يمكنه ان يأتي برئيس، لذا لا بد من التعاون والتفاهم”.
يوازي اسناد التأخير الى “حدة الخلاف” سبب الخلاف: هل كان لخلاف سياسي، بالمفاهيم المتعارف عليها، في الدول التي تخطت المحن التأسيسية، ان يمنع تأخير انتخاب رئيس، ويضع الجمهورية في الملعب الدولي – الاقليمي، لولا التضاد بين من يريد سلاحه منافساً لسلطة الدولة، وبين من لا ينفك يكرر انها هي صاحبة الحق في احتكار قرار السلم والحرب، واستخدام القوة في الداخل، والخارج، اذا اقتضت الأمور؟
لا موضوع آخر، يقسم البلد، خلافا لما يوحي قاسم: فلا السياسة التربوية موضع نقاش، ولا السياسة الصحية، ولا نهج الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ولا احترام الحريات العامة. وحدها المواضيع المنسلّة من ازدواجية السلاح، تعمق الخلاف، ومنها نهش دوائر الدولة وعائداتها، ومرافئها، وازدواجية السطوة الأمنية، والإقتصاد الموازي، والقتال في سوريا والاستتباع لايران.
الجرأة، التي تبلغ حد الوقاحة، في اعلان التزام الحزب اياه، ما تمليه عليه ايران، من دون اي تردد، لا تكفي لجعل الامر مسلمة لبنانية غير قابلة للنقاش. تماما كما لا يكفي القول بـ”الجهوزية” لمواجهة إسرائيل (في يوم ما) لتأبيد سلاح الحزب، ولجعل اللبنانيين، يصمتون عن حق الجيش في ان يتسلم دور الجهوزية انتظارا لليوم “الموعود”، خصوصاً بعد الاسناد السعودي بـ 3 مليارات دولار.
لكن، هل من حاجة الى التنقيب لمعرفة جذوة هذا الخلاف، فيما يكرر الحزب، لمناسبة انتخاب الرئيس، إدمانه على التراجع عن التزامات يأخذها؟ ألم يلتزم، خلال حرب تموز 2006، النقاط الـ 7 التي تبنتها “حكومة المقاومة” (بحسب بري) برئاسة فؤاد السنيورة، ثم انكر التزامه، والتزم “اعلان بعبدا” في حزيران 2012، ثم مسح عنه توقيع قائد نوابه محمد رعد، وبالامس، قبل بحكومة تمام سلام، بعد مماطلة، متجاوزا ثلاثيته “المقدسة”، ليعود اليوم الى الجهر بانه لن يقبل برئيس لا يقبل بسلاحه؟
نعم. حدة الخلاف عميقة، لأن الحزب يقيم دولة ليس على هامش الدولة اللبنانية، بل فوقها، وهو يقبل اليوم برئيس من”دولته” للاثنتين، ملوحا بسلاح تنازلت عنه المقاومة لميليشياته، ومهولا بخطر اسرائيلي يلجمه القرار 1701، والجيش الذي امتحنت جديته في ظله، وسيكون أقدر بالسلاح الآتي.
ذلك ليس خارج “استجرار” ايران معطيات “هادئة” في المنطقة، قبل أن ينتقل النقاش الدولي معها إلى دورها فيها