«مبادرة» عون تعبّر بوضوح عن سلوكيته في استباحة كل الأمور للوصول الى الرئاسة
صمت الحلفاء موقف غير مُعلن في فرض الأفكار وتجنُّب الردّ عليها حالياً
لا يزال النهج الذي تميّز به عون منذ توليه مهمات رئاسة الحكومة المؤقتة نهاية الثمانينات، متواصلاً حتى اليوم، وهو ما جسّدته الأفكار والاقتراحات التي تضمنتها مبادرته الأخيرة؟!»
لم يستغرب سياسي مخضرم الطرح الذي تقدم به زعيم «التيار العوني» النائب ميشال عون مؤخراً والذي أطلق عليه تسمية «المبادرة» للخروج من مأزق انتخاب رئيس جديد للجمهورية المتواصل منذ أسابيع عديدة، باعتبار أن ما تضمنته من اقتراحات وأفكار مستغربة وغير قابلة للصرف في ظل التركيبة السياسية والديموغرافية القائمة في لبنان حالياً والوضع الراهن في المنطقة عموماً، إنما تعبّر تعبيراً حقيقياً عن طبيعة السلوك السياسي الذي تميّز به عون منذ توليه مهمات رئاسة الحكومة المؤقتة بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق أمين الجميّل في نهاية ثمانينات القرن الماضي، والذي يرتكز على استباحة كل الأسس الدستورية والقانونية واستغلال السلطة الى أقصى حدّ ممكن وتجاوز الأعراف والمبادئ في سبيل الوصول الى تحقيق حلمه الدائم في الوصول الى سدة رئاسة الجمهورية، وما يزال هذا النهج متواصلاً حتى اليوم وهو ما جسّدته الأفكار والاقتراحات التي تضمنتها هذه «المبادرة».
ويسلّط السياسي الذي عايش مرحلة تولي العماد ميشال عون مهمات رئاسة الحكومة المؤقتة، كيف تنازل عون عن كل المبادئ والشعارات التي ارتكز عليها في الحرب التي شنها على القوات السورية وعلى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وقفز فوق دماء العشرات من شهداء الجيش اللبناني الذين حاربوا الى جانبه في هذه الحرب، وذهب للتحالف مع الرئيس بشار الأسد بعد عودته من منفاه القسري في فرنسا في إطار صفقة معلومة للقاصي والداني من أجل الوصول الى سدة رئاسة الجمهورية، ثم أتبعها بالتقارب مع «حزب الله» متناسياً كل الخلافات القائمة معه وتوّجها بتوقيع ورقة التفاهم التي أعطت الحزب الغطاء المسيحي المطلوب لإطلاق يده في السيطرة بالسلاح على السلطة بلبنان، ومن دون أن يتم تنفيذ أي حرف منها، وكل ذلك لتحقيق الحلم بالوصول الى الرئاسة وهو ما لم يتحقق حتى اليوم بالرغم من كل هذه التنازلات على حساب لبنان واللبنانيين.
ولم يقتصر الأمر عند هذه الحدود، فعندما اقترب موعد انتخابات رئاسة الجمهورية، في الشتاء الماضي، ذهب زعيم التيار العوني لملاقاة الرئيس سعد الحريري في باريس متجاوزاً كل العداء الذي راكمه ضده في السنوات الماضية في سبيل تعبيد الطريق امامه من أجل الفوز بانتخابات رئاسة الجمهورية.
ومن وجهة نظر السياسي المخضرم فان ما طرحه النائب من أفكار لا ترقى إلى مستوى «المبادرة» كما سميت، لأنها في الواقع تزيد الأمور تعقيداً بدلاً من تذليل الصعاب وتسهيل اجراء الانتخابات في اقرب فرصة ممكنة. وقد أراد زعيم «التيار العوني» من خلال طرح مثل هذه الأفكار في هذا الوقت بالذات، الرد على ما قيل عن استياء البطريرك الماروني من موقف عون المعطل لاجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري وانقلابه على الوعود التي قطعها في هذا الخصوص من قبل من جهة، وتوجيه رسالة لزعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري مفادها أن عدم تأييده لترشيح عون لمنصب الرئاسة الاولى سيكون ثمنه مواصلة انتقاد اتفاق الطائف والمطالبة بتعديله واعتباره بانه لم يعد يصلح لاعتماده كدستور ولصيغة العيش المشترك في لبنان. ويشير السياسي المخضرم الى أن مشكلة النائب عون انه بمثل هذا الطرح «المبادرة»، يعتقد ان بامكانه الاستمرار بإمساك عملية تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية وسعيه الدؤوب لابتزاز خصومه الى ما شاء الله متسلحاً بتغطية «حزب الله» لممارساته وسلوكياته، في حين أن هذا التفكير قد يكون مبالغاً فيه، كون اخراج مسألة انتخابات الرئاسة من مأزقها الحالي لا ترتكز الى طموحات عون بمفردها وإنما تتعداه الى ما هو أبعد من ذلك بكثير، لأن قرار اجرائها يتخطى ما يقوم به عون وتياره إلى ما يتعلق بمصالح القوى السياسية مجتمعة ومصالح الدول المؤثرة على الساحة اللبنانية وخصوصاً الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وايران.
ويتوقع السياسي المذكور أن يؤدي طرح عون إلى استجرار ردود فعل سياسية معترضة في معظمها وخصوصاً من خصومه السياسيين وعلى رأسهم «القوات اللبنانية» ومسيحيي قوى 14 آذار، في حين ان الصمت المطبق الذي يلتزم به حلفاؤه حتى اليوم بالرغم من مرور عدّة أيام على إعلانه، يعطي مؤشراً بعدم الموافقة الضمنية، لأن معظم هؤلاء الحلفاء لا يوافقه مثل هذه الطروحات لانها تتعارض مع دستور الطائف ولا تتلاءم مع صيغة العيش المشترك، كما انها تتعارض كلياً مع مواقع هؤلاء الحلفاء في التركيبة السياسية والسلطوية، ولذلك، فالصمت أبلغ موقف من هذه «المبادرة».