المبادرة التي طرحها رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون في شأن انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، وكذلك في شأن انتخاب كل طائفة نوّابها في مجلس النواب، لن تغيّر في مساري هذين الاستحقاقين ومصيرهما، لأنّ هذه المبادرة تحتاج الى نقاش طويل ولن ينتهي لمصلحتها على الأرجح.
ويقول سياسيون اطلعوا على مبادرة عون «الانقاذية»، حسبما سمّاها، انها تحدث تغييراً جذرياً في النظام السياسي لكن لا يمكن تحقيقها في هذه الظروف، لأنّ إجراء التعديلات الدستورية المطلوبة والتي تجعل النظام اللبناني الجمهوري الديموقراطي البرلماني نظاماً رئاسياً، ليس سهلاً، خصوصاً اذا عرفنا انّ المسيحيين قد لا يوافقوا عون مبادرته انتخاب الرئيس من الشعب الذي يشكّل المسلمون أكثريته.
ولذلك، يعتقد هؤلاء السياسيون انّ عون يدرك مسبقاً انّ مبادرته لا يمكنها النفاذ، ولكن ما دفعه الى اطلاقها ربما يكون رغبته في كسب مزيد من الوقت لأنه ما يزال يراهن على قبول الرئيس سعد الحريري به مرشحاً توافقياً لرئاسة الجمهورية.
لكنّ احد السياسيين يؤكد انّ اي خطوة جدية في اتجاه انجاز استحقاق رئاسة الجمهورية لن تحصل قبل انقشاع صورة الوضع الاقليمي، وفي افضل الحالات، حتى لا يقال في أسوئها، لا بحث جدياً في هذا الاستحقاق قبل مطلع الخريف المقبل. ويضيف: «ربما تفتح التطورات السياسية والعسكرية التي تشهدها الساحة العراقية باباً أمام تقارب اميركي – ايراني يبدأ بالعراق ويشمل لاحقاً بقية الملفات الاقليمية، لأنّ واشنطن وطهران تحتاجان بعضهما الى بعض في العراق، وهذه الحاجة المتبادلة قد تدفعهما الى مزيد من التفاهم على كثير من القضايا الاقليمية التي تعنيهما.
وفي رأي السياسي إيّاه انّ مبادرة عون ليس لها أفق، وأنه بادر الى طرحها اعتقاداً منه انه في ظل التعقيدات القائمة يستطيع ان «يخربط» بعض التوجهات الاقليمية والدولية في شأن الاستحقاق الرئاسي والتي لا تصبّ في مصلحته، ولكنه في الوقت نفسه يدرك انه عندما يحصل التفاهم الاقليمي والدولي ويجهز شيء في شأن هذا الاستحقاق لن يكون في استطاعته «خربطته».
بيد أنّ سياسياً آخر يعتقد انّ انجاز الاستحقاق الرئاسي وغيره من الاستحقاقات الداخلية والاقليمية، ينتظر تبلور المشهد العراقي، فإذا تمّ الاتفاق بين المكونات السياسية العراقية على «حكومة مشاركة» بديلاً من حكومة الاكثرية التي يريدها نوري المالكي، فسيكون ذلك مدخلاً الى حل كثير من الملفات الاقليمية، ومنها اللبنانية، أمّا اذا لم يحصل هذا الاتفاق فإنّ المواجهة ستفتح وتشتد في الملفات كلها.
ويرى السياسي نفسه انّ ما طرحه عون لا يشكّل أي مخرج للأزمة الداخلية، ويقول: «ليس هناك ايّ جواب على هذه الازمة الّا بفتح حوار داخلي حولها محوره السؤال: كيف يمكن تركيب سلطة متوازنة في مستوى التوازن القائم في حكومة الرئيس تمام سلام؟ فمن يرغب في الحل يمكنه رسم خريطة طريق لاستكمال عملية توازن السلطة، لا ان يطرح مواضيع تزيد الازمة تعقيداً.
ويكشف السياسي عن حراك اميركي – فرنسي ـ فاتيكاني راهناً لإيجاد حلول للاستحقاقات اللبنانية، لكنّ هذا الحراك ليس فيه ايّ خيط لبناني واضح. ولا يستبعد هذا السياسي ان تتبلور بعض المعطيات عن الحركة الاميركية – الفرنسية – الفاتيكانية بعد اللقاء الذي عقده رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاد مساء أمس مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في قصر الإيليزيه.
ويشير الى انّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قلق جداً على مصير رئاسة الجمهورية اللبنانية، ويخشى في ظل الاحداث الاقليمية وتداعياتها على لبنان ان تزول هذه الرئاسة، التي هي الرئاسة المسيحية الوحيدة في المشرق، ويزول معها النظام اللبناني برمّته. وانطلاقاً من هذا القلق ينوي القيام بجولة على عواصم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن التي كان اجتمع بسفرائها أخيراً، وذلك للبحث مع المسؤولين فيها في سبل المساعدة على تفريج الازمة اللبنانية بدءاً بانتخاب رئيس جمهورية جديد.
وفي موازاة ذلك ينوي الراعي الدعوة الى لقاء مسيحي موسّع في بكركي يتجاوز «اللقاء الماروني الرباعي» الشهير، بحيث يصدر عن هذا اللقاء موقف جامع وحازم يشدد على انتخاب رئيس جديد في أسرع وقت ممكن حفاظاً على الكيان اللبناني ومؤسساته الدستورية.