توخّت مبادرة قوى 14 آذار التوصل الى مرشح ثالث توافقي. بيد انها فقدت جدواها فوراً. لا مرشح ثالثاً في حساب قوى 8 و14 آذار ما داما لم يلتقيا على حتميته، ولم يحددا مواصفات يأتي الاسم على صورتها. فإذا الخوض في الفكرة الجديدة لا يتعدى إبطاء حركة الاستحقاق ليس إلا
بالكاد حاولت المبادرة الأخيرة لقوى 14 آذار، في الجلسة الحادية عشرة لانتخاب الرئيس، الدخول من شق الباب الى حوار محتمل بين اصحابها والفريق الآخر، بغية اخراج الاستحقاق الرئاسي من مأزقه. توجهت مباشرة الى الرئيس ميشال عون المعني الرئيسي بها، فردّ فوراً بالرفض. انتهى الامر عند هذا الحد قبل استهلال لجنة الاتصالات المنبثقة من المبادرة مهمتها.
وسواء عُدّت المبادرة مناورة او استعجل رافضوها الجواب، الا ان اياً من فريقي 8 و14 آذار لم يكن في وارد الظهور في مظهر القادر على انقاذ انتخابات الرئاسة، ودفعها الى حل جدي في توقيت لا يزال حتى الآن غير ملائم.
وبمقدار مباهاة عون امام زواره بأنه يملك مفتاح تعطيل الانتخابات، ولا يجد نفسه يتنكب وطأة ثقيلة عليه من جراء هذا الخيار فيما يحاول بعض المحيطين والقريبين منه تبرير رفض مشاركته في الجلسات المتتالية الانتخابية بشتى الحجج، لا يبدو الفريق الآخر صاحب المبادرة في احسن حال:
1ــــ لم يعد في وسع قوى 14 آذار التخلي بسهولة عن ترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، لأن المرشح نفسه لا يزال يعتقد ــــ شأن رئيس تكتل التغيير والاصلاح ــــ انه لم يستنفد فرصته وحظوظه نهائياً بعد في انتخابه، ولا يزال يعوّل على تطورات ايجابية تضعه في صدارة الخيارات. بذلك، يستمر جعجع، قبل حلفائه، وخصوصاً تيار المستقبل ومنافسيه على الترشح، صاحب الحق الاول في ان يقرر هو أوان انسحابه ومبرراته.
بل يكاد يكون ترشحه للمنصب الثقل الوحيد لموقعه في الاستحقاق.
وخلافاً لعون، لم يُقل مرة في العلن على الاقل ان يُعطى جعجع صفة صانع الرئيس ثمن خروجه من الانتخابات. يعزز ذلك الإصرار على ترشّحه، وترشيح حلفائه له، بحد ادنى من الآمال المعلقة على مرشح ثالث لم تقل قوى 14 آذار الثلاثاء الفائت كيف تبصره؟
2ــــ إهمال قوى 14 آذار التزاماً كانت قد قطعته لأفرقائها بعيد اعلان جعجع ترشحه في نيسان الفائت ــــ من طرف واحد بادئ ذي بدء ــــ وهو ان اخفاقها في ايصاله الى الرئاسة الاولى يقتضي الانتقال الى مرحلة ثانية، هي فتح الباب على مرشحين آخرين من ضمن الائتلاف نفسه. الامر الذي لم يحصل فحسب، بل تجاوزته قوى 14 آذار الى خيار غامض غير مؤكد تماماً.
مذ اعلن ترشحه، حجب جعجع أدوار مرشحين محتملين آخرين في قوى 14 آذار. بينهم، كالرئيس امين الجميل، من يعتبر نفسه اقدر على استقطاب الفريق الآخر بفضل تجربة سابقة مخضرمة في الرئاسة وانفتاحه عليه. وبينهم، كالوزير بطرس حرب، مرشح طبيعي منذ استحقاق 1995 كان سبّاقاً الى وضع برنامج رئاسي متكامل، كالراحل نسيب لحود، في استحقاق 1998. وبينهم، كالنائب روبير غانم، الذي كاد يصير رئيساً في استحقاق 2007. في المبادرة الاخيرة، أوصدت قوى 14 آذار الباب نهائياً دون المرشحين الثلاثة هؤلاء على الاقل، كي ترسم معادلة قد تُعدّ غير قابلة للحياة، ومن غير المتوقع سلفاً ان تحظى بتأييد عون وحلفائه: اما يستمر جعجع مرشحاً للرئاسة، او يخرج وعون في «شطفة» واحدة من الاستحقاق. على ان موقفاً كهذا اختصر في المرشح الحالي لقوى 14 آذار المرشحين الباقين، عندما جعل فرصة انعدام انتخاب جعجع موازية لاستحالة انتخاب الثلاثة الآخرين. الأمر الذي لا يقرّون به.
موقف كهذا لم يكن من السهل انتزاع موافقة الجميّل وحرب وغانم ــــ وربما سواهم من بعض موارنة الائتلاف ــــ عليه، خصوصاً أن نواباً كتائبيين يتحدثون بإفراط علناً عن أنهم لا يزالون يجدون في الرئيس السابق للجمهورية ملامح الرئيس التوافقي. وإذ يبدو حرب الأكثر تعقلاً لاختباره عن قرب ترشحه الضمني في استحقاق 2007، ثم انكفاؤه الهادئ عنه بعد رفضه انتخابه بنصاب النصف +1، واعتقاده حينذاك بتعذر انتخاب رئيس ضد ارادة فريق رئيسي في البلاد، لا ينفصل التزامه الصمت حيال ترشحه الطبيعي للاستحقاق الحالي عما كان قد خبره قبل أكثر من ست سنوات.
لا يفكر عونفي مرشح ثالثكي يبحث عنه
3 ــــ محاولة قوى 14 آذار تبديد ظهورها على صورة رئيس تكتل التغيير والإصلاح كمعطل مباشر لإجراء الاستحقاق، بإصرارها على مرشحها نفسه، وإن بأسلوب عمل مغاير هو احترام معظم نوابها مواعيد جلسات انتخاب الرئيس وحضورهم إياها بلا استثناء. مع ذلك يتوسل هذا الفريق لعبة التعطيل نفسها.
في حزيران الفائت، قرن جعجع استعداده التخلي عن ترشحه بالاتفاق على مرشح يتوسل فحوى برنامجه الرئاسي. طرح يومذاك معادلة لافتة مؤداها أن البرنامج ــــ لا الشخص ــــ هو الهدف. بذكاء سياسي مشهود، تحدث عن برنامج على صورة مرشح، ساعياً الى انتخاب البرنامج على أنه مرشح قوى 14 آذار ويحمل اقتناعاتها كلها. وهو ما أكدته ضمناً مبادرة هذا الفريق في 2 ايلول، من دون الخوض في التفاصيل.
على أن القول بمرشح ثالث سوى عون وجعجع، يفترض الخوض كذلك في برنامج ثالث يختلف عن برنامجي المرشحين المعلنين. لا المرشح الثالث موجود في حساب الفريقين حتى الآن على الاقل، على نحو ما يتصوره كل منهما وما يريده منه، ولا حتماً البرنامج الثالث، في ظل اصرار كل من عون وجعجع على أنه الأقوى مسيحياً والأكثر تمثيلاً، بل الأكثر استحقاقاً للمنصب، وأنه يختصر في انتخابه البرنامج.
قد يكون موقف رئيس تكتل التغيير والإصلاح أكثر تبسيطاً وسهلاً على الفهم. وهو أنه مرشح حتى إشعار آخر. لا يفتح نوافذ ولا يوصد أبواباً، ولا يريد المرور من الشقوق. لا يفكر في مرشح ثالث كي يبحث عنه.