لأن الاستحقاق الرئاسي بات مرتبطاً بأجندات خارجية
مبادرة 14 آذار صرخة في واد و«حزب الله» كالتيار العوني غير مبالٍ بها
تبدو الوقائع على الأرض أن الحلول ما زالت بعيدة وما زال لبنان غير قادر على إخراج نفسه من الأزمة
حاولت قوى الرابع عشر من آذار فتح كوّة في جدار ملف الاستحقاق الرئاسي الشاغر منذ الخامس والعشرين من شهر أيام الماضي، بإطلاقها مبادرة تمدّ من خلالها اليد الى فريق الثامن من آذار داعية إياه لفتح صفحة جديدة تفضي الى إعادة وضع هذا الملف على السكة الصحيحة من خلال فتح باب الحوار بين الفريقين من أجل الوصول الى اتفاق بينهما يُنهي أزمة الاستحقاق الرئاسي العالقة ويصار الى اتفاق على انتخاب رئيس توافقي من بين الأسماء المتداولة أو من غيرها، يكون مؤمناً بالثوابت الوطنية المعروفة وملتزماً اتفاق الطائف الذي هندس العلاقات بين الطوائف وثبّتها في وثيقة الوفاق الوطني وفي الدستور الجديد الذي أقرّ في العام 1990 وأصبح نافذاً منذ ذلك التاريخ وتم انتخاب ثلاثة رؤساء جمهورية بموجبه.
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد هذه المبادرة التي أطلقتها قوى 14 آذار بعدما وصل شدّ الحبال بين الفريقين الى أقصى مداه، هل يتجاوب فريق الثامن من آذار مع هذه المبادرة ويلاقي فريق 14 آذار في منتصف الطريق، ويخرج لبنان من هذه الأزمة معافى؟
الجواب حتى الآن ليس إيجابياً بعد البيان الذي أصدره التيار الوطني الحر واعتبر فيه أن مبادرة قوى الرابع عشر من آذار في شأن الاستحقاق الرئاسي قديمة وممجوجة وهو غير مبال بما صدر عن هذا الفريق لأنه وكما جاء في البيان لم يتقدم بأي جديد من شأنه أن يفتح ثغرة في جدار الأزمة الرئاسية المسدود، بمعنى أن التيار الوطني الحر غير معني بهذه المبادرة وليس على استعداد للتعامل معها سلباً أو إيجاباً وهو بالتالي ماضٍ في مشروعه القاضي بترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية بوصفه الرئيس الأقوى الأكثر تمثيلاً مسيحياً، ومن هذا المنطلق فهو يدعو فريق 14 آذار الى سحب مرشحه الدكتور سمير جعجع والسير وراء العماد عون لإيصاله الى قصر بعبدا سواء أكان ذلك لمرحلة إنتقالية لمدة سنتين أو لست سنوات القادمة وسواء كان ذلك بالانتخاب عبر المجلس النيابي أوشعبياً بعد تعديل الدستور، وهذا الموقف معناه أن التيار الوطني الحر لن يتعامل مع هذه المبادرة ويعتبرها غير موجودة بل سيمضي بمشروعه الذي يبقي مركز رئاسة الجمهورية شاغراً الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا، علماً بأن هذا الأمر لا يمكن أن يأتي قبل أن تحل كل مشاكل المنطقة الممتدة من اليمن الى سوريا مروراً بليبيا والعراق الذي تنشط الاتصالات الإقليمية والدولية لإيجاد تسوية له تحول دون تقسيمه الى ثلاث دول كما هو واضح حتى الآن على الخريطة الجغرافية لهذا البلد، وحسب الاتجاهات الدولية والإقليمية، والواقع على الأرض تبدو أن الحلول ما زالت بعيدة، وبالتالي ما زال لبنان غير قادر على إخراج نفسه من الأزمة التي يمر بها، لارتباطه الموضوعي بأزمات المنطقة وبالطبخات الدولية التي تعدّ لهذه الدول، فضلاً عن أن الحل في لبنان لا يمكن أن يصنعه التيار الوطني الحر من دون موافقة ورضى حزب الله المرتبط بأجندات إقليمية وخارجية تمنعه من الدخول في أي تسوية مع فريق 14 آذار تتعلق بالأزمة الداخلية ومنها أزمة انتخابات رئاسة الجمهورية، ويبدو حتى الساعة أن الحزب ليس في وارد القبول بمبادرة الرابع عشر من آذار الهادفة الى إعادة مدّ الجسور بين القيادات اللبنانية والبحث عن شخصية توافقية تنتخب لرئاسة الجمهورية، وتنهي حالة الفراغ في سدة هذه الرئاسة وتخفف من الهواجس عند القيادات المسيحية والمارونية تحديداً بدءاً من بكركي الذي بدأ الخوف من سقوط الجمهورية الثالثة يساورها بشكل فعلي ويشكّل هاجساً يلاحقها في تحركاتها الداخلية والإقليمية.
ووفقا لمعطيات الواقع القائم فإن حزب الله تراجع عن دعواته السابقة لفتح باب الحوار من أجل الوصول الى تسوية مقبولة بشأن الاستحقاق الرئاسي وليس في وارد الدخول في هذا الحوار مع قوى الرابع عشر من آذار ويفضّل أن يبقي هذا الأمر معلقاً الى أن تتضح معالم التطورات المتلاحقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ولا سيما بالنسبة الى المشهدين العراقي والسوري اللذين يشكلان حالة استراتيجية للحزب بعدما أصبح في قلب المعركة.