لدى سؤاله عن العلاقة مع العماد ميشال عون بعدما نكَث في وعده بتأمين النصاب، اكتفى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بإشارة من يده وبوضعِ إصبع على رأسه، ثمّ أنزلَ يدَه وعلامات خيبة الأمل بادية على وجهه. العلاقة ليست في أفضل حال بين البطريرك والجنرال.
إعتقدَ رأس الكنيسة أنّ جَمع القادة الأربعة في بكركي، يَكفي لتأمين النصاب وانتخاب رئيس للجمهورية. لم يكن طموحه على مقدار توقّع انتخاب أحدهم، لكن كان يكفيه تأمين النصاب.
خيبة الأمل من عون ليست ناتجة من أنّه «كذب» على الكنيسة عندما تعهَّد بالنزول الى المجلس النيابي، ربّما هي خيبة أمل شخصيّة لدى البطريرك الراعي الذي اعتَقد أنّ ما كان يقوم به سَلفه البطريرك مار نصرالله بطرس صفير لم يكن كافياً، تماماً كما اعتقد أنّ حضوره الشخصي في سدّة بكركي، كفيل بفرض أمر واقع على السياسيّين، لإجبارهم على تغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة، فكان أن واجه المشكلة نفسَها التي واجهها البطريرك صفير مع عون.
تابعَت معادلة «أنا أو لا أحد» رحلتها، فوَصلت إلى الكنيسة التي وجدَت في طموح عون التعطيلي خطراً يُهدّد موقع الرئاسة، وللمرّة الأولى منذ انتخابه بطريركاً يَجد الراعي نفسَه في مواجهة مع الجنرال. عدّةُ هذه المواجهة قد تسلك في الفترة المقبلة طرقاً مختلفة. الإكليروس غير راضٍ عن التعطيل.
مؤسّسات الكنيسة الإعلامية والرعوية والتربوية ستكون منابرَ للحضّ على نزول النواب المسيحيين الى المجلس النيابي، وتحميل مسؤولية الفراغ إلى مَن يقاطع الجلسات. في المشهد الكامل للفراغ، لم تعُد معادلة «أنا أو لا أحد» في مواجهة الكنيسة والقوى السياسية، فقد باتت في مواجهة مسعى دولي وعربي يتلمَّس طريقه، في اتّجاه إجراء الانتخابات النيابية.
المسعى الذي يقوده سفراء عرب وأوروبّيون بدأ مرحلة استمزاج الأسماء. ولَيست حركة الرئيس نبيه برّي ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط إلّا محاولة التقاط إشارة على هذا الطريق. معادلة «أنا أو لا أحد» ستكون عاجلاً أم أجلاً في مأزق، و»حزب الله» لن يستطيع تحمّل أكلاف تعطيل الانتخابات الرئاسية، إلى ما شاء الله، آمِلاً تفادي إغضاب عون.
في انتظار التسوية، تُحضِّر «14 آذار» مبادرة جادّة، يمكن أن تبصر النور قريباً متى تمَّ تذليل بعض العقد الداخلية. في «14 آذار» قراءة واحدة لهذه المبادرة. المطلوب في هذه اللحظة التي تُستنفَر فيها الجهود الدولية والعربية، وفي اللحظة التي ارتفع فيها منسوب التواصل السعودي – الإيراني، أن تتقدّم «14 آذار» خطوةً إلى الأمام، من دون أن تُفرّط بمكسب ترشيح الدكتور سمير جعجع إلى الرئاسة.
إستعداد للتفاوض على اسم تسوية، ومنح فترة محدّدة لهذا التفاوض، والتمسّك بمرشح «14 آذار» في حال أفشل «حزب الله» التفاوض… عناصر ثلاثة تشكّل تعبيراً عن مبادرة في التوقيت السليم، وعن اختبار لـ»حزب الله» وحلفائه، مع العلم المسبق أنّ الحزب سيرمي المشكلة في الرابية، وسيتنصَّل من مسؤوليته عن الفراغ، واضعاً الطابة في ملعب الجنرال، الذي إذا ما تُرك على هواه فإنّ الفراغ سيمتدّ أشهراً وأعواماً.
لكنّ هذه المبادرة ستكون خطوة جديدة من «14 آذار» في اتّجاه إحراج «حزب الله»، ووضع الإصبع على الجرح، خصوصاً في ظلّ التواصل السعودي – الإيراني، الذي يُعطي الأولوية للملفّين العراقي والسوري، وفي ظلّ المطالبة الدولية للأطراف في لبنان، بتقديم تنازلات معقولة للشروع في إنتاج مبادرات تؤدّي إلى انتخاب رئيس.
كان سبقَ لجعجع أن أعلن استعداده لسحبِ ترشيحه في حال الوصول الى تسوية على اسم مقبول للرئاسة، واستكمالاً لِما قام به، تستعدّ «14 آذار» مجتمعةً لتقديم المبادرة الجديدة، التي لا يُفترَض أن تتأخّر ولادتها المنتظرة بعد تذليل بعض العقد الداخلية.