IMLebanon

مبدأ المقايضة يُهدد بأزمة حكومية

لا يزال ملف العسكريّين المختطفين أولوية عند الحكومة والقوى السياسية عموماً. الجميع يدرك حساسية هذا الملف وأهميته، لكنّ المشكلة تكمن في إيجاد مخرج لائق لا يُضعف هيبة الدولة ولا يفرّط بحياة هؤلاء المختطفين.

أوّل بند من بنود عدم التفريط بهَيبة الدولة يكون عبر رفض مبدأ التفاوض. هذا المبدأ الذي جَهد الرئيس تمام سلام منذ أيام في محاولة ترسيخه عبر الاستعانة بالقضاء، فلم يجد له القضاء مخرجاً لائقاً، وذلك بعد درس الكثير من الحالات والاحتمالات.

ليس أمام الدولة سوى فكرة «العفو العام»، هذه فكرة غير قابلة للتحقّق لأنّ البلد بلا رئيس جمهورية من ناحية، ولها مخاطر أمنية جدية لأنّ الإفراج عن هذا العدد من الارهابيّين المحتملين قد يضع لبنان امام تحديات جديدة أخطر ممّا نراها اليوم.

من الواضح انّ رئيس الحكومة وتيار «المستقبل» يعملان على خلق إنجاز سياسي في هذا الملف، حتى ولَو جاء هذا الانجاز على حساب هيبة الدولة والجيش. في المخرج الاول في عرسال سَلّمت الحكومة بشخص رئيسها كلّ رَقبتها للمسلحين، ومنعت الجيش من محاصرتهم وإجبارهم مع مرور الوقت على الإفراج عن العسكريّين.

وفي المخرج الثاني المطروح اليوم، والذي لا يبدو انه قابل للحياة، ثمّة تفريط واضح بتضحيات الجيش اللبناني، وانصياع تام لرغبة الخاطفين وشروطهم التي تهدم، اذا ما تحققت، آخر ما تبقّى من الدولة وهيبة المؤسسات.

بعض القوى السياسية تحمّست في البداية لمسألة المقايضة بعد التوصيات التي جرى رَفعها للحكومة، لكنها عرفت سريعاً، بعد جولة اتصالات واسعة، انّ البلد سيكون أمام «أزمة حكومية» اذا جرى إطلاق سراح جميع الموقوفين، حتى المحكومين منهم.

وهنا تقول مصادر في 8 آذار: «ما الذي يمنع ان يتحوّل هؤلاء الى الداخل اللبناني بعد الإفراج عنهم؟» لا أحد موافق على ترك الناس بلا محاكمات، ولا أحد سيوافق على الافراج عن إرهابيّين مُحتملين قد يزيدون من المخاطر الامنية على البلاد». «مَن كان يضع سيارة مفخخة سوف يعمل على وضع عشر سيارات، وعندما يحين أوان العقاب سوف يعمد الى خطف جنود والمقايضة مع الدولة على مَنع المحاكمة والعقاب».

ثمّة ضغوطات أمام السلطة السياسية بلا شك، وتتمثّل بشكل أساس في تحركات الأهالي ومشاعرهم ومطالبتهم بأبنائهم، وهذه اكثر المطالب براءة ونظافة، أمّا تحميل هذه المطالب أبعاداً سياسية وامنية فلا تَصبّ في مصلحة البلد، ولا في مصلحة الامن والاستقرار الحكومي.

في أزمة مخطوفي «اعزاز» كان التهديد جدياً وطرحَ الخاطفون شروطاً كبيرة وتعجيزية، لكن مع الوقت جرى حلّ القضية من خلال اتصالات دولية وضغط على الجهات التي تدعم الخاطفين وتهديد مصالحها.

وفي حالة المخطوفين من الجيش والقوى الامنية يجب الضغط عليهم ومنعهم من تكرار عمليات الذبح، وذلك عبر عرسال نفسها ومن خلال «قطع الإمداد» عنهم، والقول لهم إنّ أهاليكم عندنا وليس من مصلحتكم ذبح المزيد من جنودنا المخطوفين.

لماذا حَيّدت «هيئة العلماء المسلمين» مصير أهالي الخاطفين وعائلاتهم من المفاوضات حول الخروج من عرسال وحول إطلاق سراح الجنود؟ أليس الحرم المذهبي هو الذي أضعفَ الجيش ومَنعه من الأخذ بزمام الامور على الارض واستعادة الجنود وعناصر الدرك على طريقته؟

مبدأ المقايضة إذاً مرفوض، ولا أحد من الجهات السياسية الحريصة على هيبة الدولة والمؤسسات سَيقبَل به. اذا كان تيار «المستقبل» ومعه رئيس الحكومة مع إطلاق سراح العسكريّين بأسرع وقت ممكن، فلديهم ما يكفي من العلاقات في عرسال وحولها وعلى الصعيد الاقليمي لإنهاء مأساة المختطفين وأهاليهم، وفي الوقت ذاته عدم النزول عند رغبة الخاطفين ومطالبهم التي سترفد البلد بمزيد من «الطاقات الإرهابية».