IMLebanon

متلازمة لبنان وسوريا

لشدة الغضب والكراهية المتبادلة كادت تنبعث من «فيسبوك» صرخات وعويل. بدا أن أذرعا على وشك أن تمتد من هذا الموقع وتشتبك في نزاع تنخرط فيه أيد وأرجل كثيرة. فاضت مشاعر الحنق وطغت لغة الشتائم والسباب، وطافت صفحات لبنانيين وسوريين كثر بكلام وأوصاف مقيتة جرى تبادلها خلال الأيام الماضية.

فالمشهدية الاحتفالية المفتعلة التي رافقت عملية التصويت الاستعراضية للانتخابات الرئاسية في السفارة السورية في بيروت، وما حوته من حشد هائل جرى خلاله رفع صور الرئيس بشار الأسد والغناء له، وهو ما كنا نعتقد أنه لن يتكرر في لبنان بعد الانسحاب السوري عام 2005، سببت صدمة وانفجارا لمشاعر محتقنة وجدت سبيلها إلى الشاشات اللبنانية والعربية وانفلتت من عقالها تماما على صفحات التواصل الاجتماعي. وهنا ليس المجال لتكرار ما هي المشاعر أو العبارات التي جرى تقاذفها في معرض إما تعميم إدانة المقترعين للأسد واعتبار أن جميع النازحين السوريين يجب أن يخرجوا من لبنان، أو لجهة وسم اللبنانيين بأنهم كتلة وجماعة واحدة مقيتة كارهة للآخر خصوصا السوريين، ولا هم لها سوى التعالي والتنكيل بهم.

بدت الجماعات الغاضبة أسيرة داء واحد تفشت عوارضه وأصابت الجميع. وهنا آن للطب النفسي أن يدقق في الحالة اللبنانية السورية التي يبدو أنها باتت متلازمة مرضية في حد ذاتها على غرار متلازمات عديدة أخرى. فالطب يعرّف المتلازمة بأنها مجموعة من الأعراض المرضية والعلامات المتزامنة ذات المصدر الواحد، مما يجعل ظهور واحد منها أو أكثر ينذر باحتمال وجود البقية. وطبعا لست أطرح فكرتي من باب المعرفة الطبية النفسية، لكن من باب المقارنات مع ما أمعن الطب النفسي في تحليله في حالات عديدة أخرى، مثل متلازمة «استوكهولم» التي أشبعت تحليلا ومقارنات مع أوضاعنا العربية.

ففي الحالة اللبنانية السورية بات هناك شيء من المرض المزمن الذي تفاقم وتشعب في السنوات الثلاث الأخيرة، وما حدث الأسبوع الماضي ليس سوى امتداد لاشتباك سياسي أمني واجتماعي بدأ منذ عقود ووصل إلى حالاته القصوى الآن. فمن دون كثير جهد يمكن ملاحظة أنه لا انتخابات رئاسية سورية فعلية جرت في لبنان، وهي لن تكون كذلك في سوريا، وأن كل ما حدث هو استعراض بصري أعد له بعناية ورعاية وضغط الأحزاب الموالية لسوريا في لبنان، وبقدرة النظام السوري على التلويح بحرمان من لا يتوجه إلى السفارة بالمنع من دخول سوريا.

ما جرى ليس انتخابات..

لم تكن هنا صناديق أو عوازل، وكثر لم تكن لديهم بطاقة انتخابية، وقد اقترع من هم دون السن القانونية. إذن هي ليست انتخابات، فلا داعي للتفاعل معها ومع مشهديتها على أنها كذلك. فلماذا إذن أشعل ما حدث أمام سفارة نظام الأسد كل النار الكامنة لبنانيا وسوريا؟

إنه خلل واحد يتعثر في تفسيره جموع اللبنانيين والسوريين وهم يشتبكون إما مباشرة أو عبر مواقعهم الخاصة إلكترونيا. فمركز الخلل ليس في ما نعتقده كراهية متبادلة، إنما يتمثل في أن نظاما، هو نظام البعث وسلطة آل الأسد، أنشأ صدعا بات عميقا جدا، وها نحن نتخبط في أتونه.