IMLebanon

متى تحين «الحاجة» إلى التعاون العسكري العربي؟

عودة مصر إلى الاتحاد الأفريقي حدث مهم. إنها لم تكن عودة سهلة كما يتصور الذين يقللون عادة من أهمية المنظمات الدولية. لقد سبق اتخاذ القرار نشاط حثيث قام به الاتحاد، وتحرك دؤوب قامت به الديبلوماسية المصرية، وحوارات شملت اللاعبين الرئيسيين على الساحة السياسية المصرية. واستند المتحاورون في حواراتهم إلى أولويات وقيم تستأثر باهتمام عالمي مثل الأمن والاستقرار والحرية والديموقراطية والعدالة والسيادة الوطنية. ولا يزال هذا الحوار مستمراً، ولا ريب في أنه يضيف إلى تجارب القارة، وإلى خبرات الزعماء العرب، خصوصاً المصريين الذين تابعوا هذه الحوارات بصورة مباشرة أو غير مباشرة رؤى جديدة وخبرات إضافية.

كذلك تخللت هذه الحوارات، كما جاء في تقرير «اللجنة العليا للاتحاد الأفريقي حول مصر»، الآراء المختلفة حول الإرهاب وحول الجماعات التي تمارسه وردود الفعل المختلفة حول هذه المسألة. لقيت هذه المسألة في تقرير اللجنة نصيباً وافراً من الاهتمام وأعطيت شيئاً من الأهمية في سياق الحديث عن مبررات عودة مصر إلى الاتحاد. ولكن، من الأرجح أن تستأثر هذه المسألة بنصيب أكبر من الاهتمام في القمة الأفريقية. وإذا كان هناك من يعتقد في المشرق أن مسألة الإرهاب هي قضية مشرقية بامتياز، فإن لدى زعماء القارة الأفريقية، بخاصة لدى زعماء المغرب العربي، ما يؤكد أنها ليست كذلك، أي أنها تستحق أعلى درجات الاهتمام في أفريقيا ومن قبل الاتحاد الأفريقي مثلما تستحق الدرجة نفسها من الاهتمام في المنطقة العربية، ومن مؤسسات العمل العربي المشترك ومنها جامعة الدول العربية. بل قد يحق للزعماء الأفارقة القول إنه بصرف النظر عن الأخطار الإرهابية المتصاعدة في المشرق العربي، فإن المساعي التي يبذلونها من أجل محاصرة الإرهاب والقضاء عليه تتجاوز ما تبذله الحكومات العربية في هذا المضمار وتفوقه.

وكما هو مألوف، فإن الحكومات الأفريقية تضطلع بالجانب الأكبر من هذه المساعي. ولكن من ناحية أخرى، واستكمالاً وتفعيلاً لها، فإن الحكومات الأفريقية تقف، كمجموعة وفي إطار الاتحاد الأفريقي، ضد الإرهاب. هذا الهدف كان واحداً من الحوافز التي دفعت دول أفريقيا إلى تأسيس منظومة أمنية متكاملة تضم مجلس السلم والأمن الأفريقي، نظام الإنذار المبكر القاري، هيئة الحكماء، صندوق السلام، وأخيراً لا آخراً قوات الطوارئ الأفريقية. ومن أجل تسهيل تفعيل ومراقبة تنفيذ القرار بتأسيس قوات الطوارئ، فقد وضع الاتحاد برنامجاً زمنياً لتأسيسها وتطويرها ومباشرة نشاطها.

تنمو قوات الطوارئ الأفريقية بصورة مضطردة كما قدر لها، إلا أن هذا النمو لا يتم وفق البرنامج الزمني المقدر لها. فحسب هذا البرنامج كان مفروضاً أن تتأسس قيادة لمنطقة شمال أفزيقيا تضم المغرب العربي ومصر، لكن تشكيل هذه القيادة لم يتم في الموعد المحدد، خصوصاً بسبب العلاقات المتراجعة بين بعض الدول العربية. إن هذه المشاكل المحدودة الأثر لم تمنع القوات الأفريقية من التدخل في حالات كثيرة لاحتواء النزاعات الأفريقية، كما حدث في جزر القمر وإقليم دارفور في السودان خلال العقد المنصرم ولوضع حد لنشاط وتوسع بعض المنظمات الإرهابية. فضلاً عن ذلك، فإن العثرات التي عانت منها القوات الأفريقية لم تمنع تعاونها مع قوات الأمم المتحدة الأمر الذي زاد من قدراتها وطاقاتها على تحقيق الأهداف الأمنية المرسومة لها من جانب الاتحاد. فأين العمل العربي الجماعي ضد الإرهاب من هذا النموذج الأفريقي؟

إن الدول العربية في أشد حاجة إلى مثل هذا العمل الجماعي من الدول الأفريقية. لقد تمكنت الدول الأفريقية من القضاء على نماذج دول «الآبارتايد» في أفريقيا الجنوبية وفي زيمبابوي، أما الدول العربية فلم تتمكن من القضاء على هذا النموذج. والدول العربية تعاني من أخطار أخرى متنوعة، ومن أهمها اليوم خطر الإرهاب. وهناك إجماع دولي على خطورة الإرهاب، وإقرار دولي بأن مكافحة هذا الخطر تحتاج إلى بناء تحالفات عالمية واسعة، وتعبئة مجهودات تتجاوز الأقطار والقارات. فالإرهاب هو في حد ذاته عابرٌ الأقطار والقارات، ويفيد من قدرته على التحرك بيسر وسهولة بين الدول وعلى اختراق الحدود من دون عائق. ولا يعيب أية دولة، صغيرة كانت أم كبيرة إذا شعرت بأنها في حاجة إلى حلفاء وشركاء في صراعها مع هذا النوع من التحديات.

أسست الدول العربية مجلس الأمن والسلم العربي بعد سنوات من تأسيس مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي، ولكن مع فارق مهم بينهما. فالمجلس الأفريقي تضمن تشكيل قوات طوارئ دائمة ونامية. وهذه النظرة تنسحب على موقفهم تجاه مأسسة الاتحاد الأفريقي، أما المجلس العربي فنص على تشكيل قوات سلام عربية «عند الحاجة». هذا الشرط ليس شرطاً عادياً، إنما هو تعبير عن موقف سلبي وجوهري تجاه مسألة التعاون الإقليمي العربي في أخطر حلقاته. فالذي يشترط تشكيل قوات سلام عربية «عند الحاجة» يفترض أن هذه القوات ستتكون من عناصر كاملة الجاهوزية للقيام بالمهمات الاستثنائية التي ستسند إليها. كذلك يفترض ذلك الذي لا يريد قوات سلام عربية إلا حين «تحل الحاجة» أن تكون هذه القوات جاهزة للاندماج في منظومة عسكرية إقليمية بأدنى جهد ممكن. فضلاً عن هذا وذاك، فإن الذي لا يرغب في تكليف النفس العربية أعباء تشكيل قوات سلام عربية إلا «عند الحاجة»، يفترض أن الخطر الواقف على باب المنطقة سيكون حصيفاً كفاية لكي يُعلم أهل القرار بأنه يعتزم زيارتهم فيترك لهم المجال الواسع حتى يتدبروا أمرهم ويحصنوا بلادهم ضد غزوات مفاجئة «داعشية» الطابع.

لقد عرفت القارة الأفريقية زعماء عمالقة لم يترددوا أحياناً في القول إنهم تعلموا من التجارب العربية دروساً مهمة، فلعل القائمين على العمل العربي المشترك يسلكون اليوم الطريق نفسه ليصححوا ذلك الخطأ الذي وقع فيه مؤسسو مجلس السلم والأمن العربي، ويستبدلوا الفقرة التي نصت على تشكيل قوات الطوارئ العربية، بفقرة أخرى مستفادة مما جاء في النظام الداخلي لمجلس السلم والأمن الأفريقي حول قوات الطوارئ الأفريقية، وما تضمنته من برنامج زمني للنهوض بها وتوسيعها وتطوير نشاطها. إن تشكيل مثل هذه القوات في المنطقة العربية جدير بأن يتحول إلى نموذج على التعاون بين القوات المسلحة العربية للدفاع عن المنطقة ضد التحديات الخارجية، وضد الإرهاب والإرهابيين.