متى يستخلص اللبنانيون عِبَر انتصار تموز؟
المقاومة للمشككين: اخلعوا ثوب الهزيمة!
قبل ثماني سنوات كان انتصار المقاومة وانتصار لبنان في حرب تموز 2006. والسؤال البديهي الذي يحضر بعد تلك السنوات: ماذا بقي من هذا الانتصار؟ لو اننا في بلد طبيعي لكان لهذا الانتصار عيداً وطنياً يحييه كل اللبنانيين، لكن أسوأ الصور المحيطة به هو الانقسام الداخلي حوله والتشكيك فيه من قبل فريق من اللبنانيين لا يزال يغمض العين على الرمزية الوطنية لهذا اليوم، بل يفتحها فقط على سلاح المقاومة، ويرى فيه عبئاً على البلد، فضلاً عن أنه لا يريد الاقتناع بأن لبنان انتصر، لأن هذا الفريق يصرّ على ارتداء ثوب الهزيمة.. ربما لأن المشروع الذي كان يحمله عدوان تموز قد هُزم!
المؤسف أن هذا الانقسام، هو نتاج طبيعي للتركيبة السياسية، ولعله إحدى أبرز العلل المستعصية في الجسم اللبناني، لكنه مهما كان حاداً، ومهما أثير الصخب السياسي الداخلي حول تلك الحرب ونتائجها التي أفرزت هزيمة موصوفة للعدو، فإن ذلك في مفهوم المقاومة يبقى عاجزاً عن أن ينفي حقيقة الانتصار التي كان من نتائجها المباشرة خلق معادلة الردع التي فرضها المقاومون على العدو منذ ثماني سنوات. كما أن تلك النتائج أثبتت حقيقة أن المقاومة عصية على الكسر، حتى ولو جرى التصويب عليها، بمحاولة تشويه صورتها أو تقزيم دورها، عبر إشغالها بتوترات وعبوات ناسفة للاستقرار السياسي والأمني والمذهبي. كما أن محاولات تقييدها بصيغ تنظيرية لم تقدم جواباً حقيقياً على السؤال المركزي: كيف نحمي لبنان؟
لفريق التشكيك بالانتصار خيارهم السياسي، على ما يقول المقاومون، وللمقاومة معتقدها. ولعل وقائع السنوات الثماني تؤكد الحقائق الآتية:
ـ الانتصار يتأكد يوماً بعد يوم، ومفاعيله الواضحة تتجلى بحماية الجنوب الذي يكاد يكون أكثر المناطق اللبنانية أمناً واستقراراً.
ـ الخروقات الإسرائيلية التي تحصل بين الوقت والآخر، لا تغيّر في جوهر النتائج التي حصلت.
ـ لقد أسقط انتصار تموز الكيان الإسرائيلي من كونه صاحب الجيش الذي لا يُقهر الى صاحب الجيش الذي يُقهر ويُذل. والمقاومة تدرك أن عين العدو لا تزال على أرضنا وعلى مياهنا وعلى نفطنا، ولكن كل ذلك قابل للردع. كما تدرك أن العدو لم يعد وارداً في حسبانه أن يقوم بعمل عدواني على لبنان على غرار ما كان يقوم به سابقاً وبلا أي حساب. ولعله يعي جيداً ما تعنيه المقاومة عندما تؤكد له «ان عدتم عدنا».
ـ يعيش العدو المفاعيل اليومية لانتصار لبنان، صدّق ذلك بعض اللبنانيين أو لم يصدقوا. فمنذ العام 2006 وحتى اليوم والعدو يشكل لجاناً تدرس وتستخلص عبر حرب تموز، ويحاول أن يعيد هيكلة جيشه ويعد الخطط ويقوم بالمناورات ويدرس العيوب ويقوّي منظومة الصواريخ لديه وكذلك منظومة الهجوم والدفاع وتعزيز القدرات بأحدث سلاح.
ـ اختبر العدو حرب غزة، والمقاومة في لبنان قاربتها كنسخة عن حرب تموز. فالعدوان على غزة أظهر بما لا يقبل الشك أن كل الدروس والاستخلاصات التي سعى العدو اليها، قد فشل وأعاده الى نقطة الصفر. فالقبة الحديدية التي اعتبرها حارسه الأمين أثبتت فشلها في حرب غزة، باعتراف العدو نفسه، وبقيت صواريخ المقاومة الفلسطينية تتساقط على عمق مختلف المستوطنات والمدن وصولاً إلى القدس وتل أبيب.
ـ كما فاجأت المقاومة في لبنان العدو بصواريخ «الكورنيت» وإصابة البارجة الحربية «ساعر»، فاجأت المقاومة الفلسطينية العدو بالأنفاق وبنوعية الصواريخ وبالمدى الذي بلغته.
لذلك لم يستطع الإسرائيلي عمليا أن يتجاوز حرب تموز ونتائجها. في رأي المقاومة، أن العدو، في غزة اليوم كما في لبنان قبل ثماني سنوات، لم يستطع أن يفرض شروطه السياسية، كما أنه عاجز عن أن يزعم أنه انتصر في الحرب، لأنه لم يتمكن من القضاء على الصواريخ، ولم يتمكن من تحقيق الهدف المعلن والدائم لحربه، أي حفظ أمن اسرائيل وإبعادها عن مرمى الصواريخ. كما أنه لم يتمكن من فرط بنية المقاومة، لا في لبنان ولا في غزة، ولم يتمكن من سحق كرامة الشعب أو إرادة المقاومة عنده، فالشعب الفلسطيني في غزة ازداد التفافاً حول المقاومة، كما حصل مع المقاومة في لبنان في العام 2006.
ولعل أصدق ما أثبتته حرب العدو على غزة، في 2008 و2012 و2014، أن حرب تموز هي النموذج في المواجهة بين المقاومة واسرائيل، وان معادلة أي حرب قادمة مع المقاومة ستكون شديدة الصعوبة على الاسرائيلي ما دامت غزة قد وصلت الى هذا المستوى من مراكمة الإنجازات والنتائج الموجعة للعدو.