IMLebanon

محمد السادس في تونس..

 

أن يزور الملك محمّد السادس تونس في هذه الظروف بالذات دليل على مدى حرص المغرب على نجاح التجربة التونسية خدمة للإستقرار في المنطقة. فتونس تقف عند مفترق طرق بكل ما في كلمة مفترق من معنى. هناك حكومة وحدة وطنية شبه معقولة تضمّ عناصر لا بأس بها، وهناك دستور جديد عصري وافق عليه المجلس الوطني التأسيسي (مجلس النوّاب في المرحلة الإنتقالية) في السادس والعشرين من كانون الثاني ـ يناير الماضي.

أقلّ ما يمكن قوله في الدستور أنّه كان مفجأة سارة نظرا إلى أنه دستور متقدّم بكلّ معنى الكلمة. حافظ الدستور على الفصل بين السلطات بوضوح وحافظ خصوصا على حماية حقوق المرأة والمواطن، عموما، وذلك على العكس مما كانت تسعى إليه جهات تتاجر بالدين وتعمل على وضع يدها على البلد.

لا يشبه هذا الدستور غير الدستور المغربي الذي وافق عليه المواطنون في المملكة باكثرية ساحقة بعدما بادر محمّد السادس إلى القيام بالإصلاحات المطلوبة التي تصبّ في تأمين مزيد من المشاركة الشعبية على كلّ الصعد من جهة، وتطوير الحياة السياسية في الملكة مع وضع الأحزاب المختلفة أمام مسؤولياتها تجاه البلد وتجاه المواطن العادي من جهة أخرى.

تعتبر زيارة العاهل المغربي لتونس بمثابة دعم لمؤسسات الدولة التونسية وذلك كي تسير في طريق التقدّم في كل مجال بعيدا عن المزايدات والشعارات الطنانة والكلام الفارغ الذي لا يأخذ إلى أي مكان، سوى إلى مزيد من الفقر والبؤس.

هناك بكل بساطة رهان في تونس وفي الدول المحيطة بها، على رأسها المغرب، على المجتمع المدني. وقف هذا المجتمع في وجه التخلّف وحال، نسبيا، دون وضع الأحزاب الدينية المتطرفة يدها على مؤسسات الدولة وأجهزتها.

باختصار شديد، لدى المغرب ما يقدّمه لتونس التي استطاعت البقاء على رجليها بعد «ثورة الياسمين» التي بدأ بها «الربيع العربي» الذي ليس معروفا كيف ستكون نهايته لا في مصر ولا في ليبيا ولا في اليمن…ولا في سوريا التي يراهن النظام فيها على الإنتقام من شعبه وعلى تفتيت البلد وتدميره بدعم ايراني وروسي!

نعم لدى المغرب ما يقدّمه لتونس، خصوصا أن هناك بعض وجوه الشبه بين البلدين. بين وجوه الشبه هذه وجود وعي شعبي مغربي لأهمّية المحافظة على الإعتدال بمبادرة من محمّد السادس نفسه. هناك وعي في تونس أيضا، حتّى في أوساط الإخوان المسلمين، أي حزب «النهضة» لأهمّية التعاطي مع الواقع.

يقول الواقع أنّ تونس لا تحكم من دون توافق وطني. كانت الحكومة الحالية برئاسة المهندس مهدي جمعة دليلا على اقتناع «النهضة» أخيرا، ربّما هربا من أزمتها الداخلية، بأنّ ليس في استطاعتها احتكار السلطة نظرا إلى أنّ ليس لديها مشروعا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا قابلا للحياة.

على العكس من ذلك، إن استمرار «النهضة» على رأس الحكومة كان سيؤدي إلى وضع شبيه بالوضع المصري، أي إلى ثورة شعبية تطيح حكم الإخوان كما حصل في الثلاثين من حزيران ـ يونيو الماضي.

هربت «النهضة» إلى حكومة تكنوقراط. أرادت تفادي انكشافها حتّى في مجال توفير حاضنة للإرهاب وللتنظيمات المتطرّفة التي نفّذت سلسلة من الجرائم من بينها اغتيال شخصيتين سياسيتين هما رشيد بلعيد ومحمد البراهمي في ظروف لم تعد خافية على أحد.

تحتاج تونس إلى الإستفادة من تجربة الإصلاحات المغربية، خصوصا في حال كانت تسعى إلى الخروج من أزمتها الإقتصادية. لا يختلف اثنان على أنّ الخروج من الأزمة الإقتصادية يساعد في مواجهة التحدي الأكبر المتمثل في الإرهاب الذي يأتي من أماكن عدّة، خصوصا من ليبيا التي لديها حدود طويلة مع تونس. هناك وضع ليبي يتدهور بشكل يومي. سيتدهور أكثر في حال فشل اللواء خليفة حفتر والمحيطين به في استيعاب الفوضى والقضاء عليها وفرض حدّ أدنى من حكم القانون في البلد.

تحتاج معالجة الوضع الليبي وانعكاساته الخطيرة على دول الجوار، في مقدّمها تونس، إلى تعاون إقليمي. صحيح أنّ لا حدود مشتركة للمغرب مع ليبيا، لكنّ الصحيح أيضا أن المغرب يعي تماما معنى تحوّل ليبيا، المليئة بمخازن السلاح، مأوى للعصابات الإرهابية. فليبيا في عهد القذّافي لم تتردد في التدخل في شؤون المغرب ودعمت في فترات معيّنة جبهة «بوليساريو»، الأداة الجزائرية التي تستخدم في عملية ابتزاز للمملكة ولمواردها خدمة لسياسة جزائزية قائمة على وهم الدور الإقليمي ليس إلّا.

هناك ما يمكن البناء عليه في تونس وذلك تفاديا لسقوط البلد وتحوله انتدادا للفوضى الليبية التي باتت تؤثر سلبا على كلّ منطقة الساحل الصحراوي.

هناك ما يمكن عمله من أجل بقاء تونس في خط الإعتدال ولعب دور على صعيد دعم الإستقرار الإقليمي. من هنا أهمّية زيارة محمّد السادس لهذا البلد الذي لا يجوز عزله. على العكس من ذلك، من الضروري مساعدته بعدما ساعد التونسيون نفسهم أوّلا ورفضوا الإنصياع لأولئك الذين ارادوا فرض دستور متخلّف عليهم. أكثر من ذلك، هناك ادراك تونسي لخطر بقاء البلد يراوح مكانه من دون حلول لمشاكله الإقتصادية بدءا باستعادة النشاط السياحي وصولا إلى تسهيل الإستثمارات الأجنبية في كلّ الحقول، خصوصا في مجال الصناعات التحويلية.

لدى المغرب خبرة طويلة في مجال تسهيل الإستثمارات الأجنبية وتوفير الأجواء المريحة التي تحتاجها هذه الإستثمارات وذلك بهدف تحسين الأوضاع الإجتماعية في البلد واشعار المواطن العادي بالأمان. من يريد دليلا على ذلك، يستطيع زيارة مدينة طنجة لمشاهدة ما تشهده من عمران، خصوصا في مجال بناء ميناء كبير (طنجة ـ ميد) يربط المغرب عمليا بأوروبا عبر اسبانيا.

جاءت زيارة العاهل المغربي لتونس كي لا يكون هناك تراجع من أي نوع كان إن على صعيد الإصلاحات السياسية أو على صعيد الأمن…أو على صعيد الإقتصاد. رسالة المغرب واضحة. فحوى الرسالة أن تونس ليست وحدها وأن هناك من يدعم أي تطوّر نحو الأفضل فيها.

ما لا يمكن تجاهله، أنّ هناك مقاربة مغربية لموضوع الإستقرار الإقليمي تقوم أوّل ما تقوم على التعاون بدل التنافس، التنافس على وهم اسمه وهم الدور الإقليمي الذي تؤمن به للأسف القيادة في الجزائر. لعلّ مثل هذه التعاون يعيد بعض الحياة إلى الإتحاد المغاربي الذي كان يمكن أن يساعد في تحسين الأوضاع في كلّ المنطقة التي تحتاج أوّل ما تحتاج إلى استراتيجية متكاملة في مجال محاربة الإرهاب والتطرّف.

الإكيد، في هذه الحرب، أن اليد الواحدة لا تصفّق. إنّها في حاجة إلى تعاون واسع في كلّ المجالات بعيدا عن كلّ انواع العقد قبل أيّ شيء آخر…