IMLebanon

مذبحة “التحريك”

1

لا صحة لزيارة كيري. كان هذا التصريح الرسمي للخارجية المصرية بعد ساعات من إعلان وصول وفد تمهيدي للزيارة. الأمر لا يتعلق بمهمة وزير الخارجية الأميركي وإنما بوضع أكثر تعقيدا حيث تترتب المواقع في المنطقة على إيقاع قصف غزة والرد عليه بالصواريخ الفلسطينية.

ماذا كان لديه؟ السؤال لا يخص جون كيري وحده. ولكن يخص الأطراف القديمة كلها. ماذا لديهم لوقف الجريمة الإسرائيلية الكاملة في غزة… والتي يبدو أن هدفها “تحريك” الوضع كله إلى واقع جديد تتغير فيه الأحجام والتأثير.

كيري الغى / أجّل الزيارة بعد فشل المبادرة المصرية التي جرّبت فيها مصر “الوساطة عن بعد” فأعلنتها في وسائل الإعلام ومن دون مشاورات مع الفصائل الفلسطينية على الأرض مكتفية بخطوطها مع أبو مازن والسلطة في رام الله.

التجربة فشلت لكن الوساطة المصرية ستستمر قليلا إذا أرادت “حماس” عبور “الجرف الصامد” من دون خسارة.

2

“حماس” لن تعود إلى قوتها كطرف تفاوضي إلا عبر القناة المصرية… وهذه هي المفارقة الأولى… فالقنوات المتجهة إلى القاهرة مسدودة تقريباً في وجه “حماس”… واللجوء لقطر (كمفاوض محتمل) لا يعني سوى مزيد من الانسداد، وهذا ما سيعزل “حماس”، وهي المفارقة الثانية، فالعزلة تأتي بعد التقدم في المستوى العملياتي، والذي ينضج ربما فرص “الجهاد”… لتملأ الفراغ العسكري، إلى حين.

تبقى مفارقة أوسع وهي رغبة مصر في إعادة بناء دورها كوسيط “فاعل” لكن من دون تنازل عن شروطها (معاداة “حماس”) أو اقتصارها على الأطراف الرسمية (السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية)، كيف تعود إلى دور قديم بعد ان تغلق هامش المناورة؟ وكيف تكون العودة من دون رؤية خارج الصندوق المتاح للقضية؟

هناك اذن مذبحة جديدة على غزة في الأرض… وأدوار افتراضية تائهة في أفق سياسي محتقن، ولا صوت الا لصوت وقف الموت…

3

“التحريك…” ربما يتجاوز حدود المطلوب في إسرائيل وحماس.

فالتغييرات خارج فلسطين ستؤثر غالباً بأقوى من حجمها السابق، وستتجاوز أي اتفاق يدور حول “عمود السحاب” بتعديلاته المطلوبة.

وهذا التأثير سيكون حاصل الوفاض الخالي من كل الأطراف القديمة بعد مرحلة أوسلو.

فالعقلية الباحثة عن نهاية “مقبولة” للمذبحة لم تتجاوز حدود “أوسلو” وليس لديها أبعد من العودة إلى ما قبل 25 كانون الثاني (يناير) حيث كان النظام المصري وسيطاً وراعياً تاريخياً… لا يريد ترك القضية لأنها احد أسرار البقاء والقوة في محيط عربي، كما أنه لا يريد لعب الدور القديم نفسه (لا بطبعته الحنون ولا القاسية كل القسوة)… يريد فقط الاستمرار في موقع الإدارة من دون أفق أبعد من رؤية أميركية سائدة ترى أن نجاح الأنظمة في مصر (…حتى في التقييم الديموقراطي…) تعني تهدئة الجار الفلسطيني والسيطرة على هبّاته وجنونه… ولهذا يفتقدون الإخوان ومرسي لأنهم الأقدر على ترويض “حماس…”.

“التحريك” إلى الماضي سيفشل غالبا كما بدا في أولى جولاته مع المبادرة المصرية… هل هذا آخر المطاف؟ أم انه لن يتم “التحريك” إلا بإخراج “حماس” من المعادلة كلها وإعادة الترتيب العسكري والسياسي وفق هذه النهاية؟ ومن لديه القدرة على هذه النهاية؟ ومن لديه شيء سوى صرخات توقف الموت في غزة؟