مؤتمر لمناقشة “الوثيقة الوطنية”
“مذكرة بكركي”.. للبحث صلة
قبل شهرين تماماً، وتحديداً في عيد مار مارون في 9 شباط، أطلق البطريرك بشارة الراعي ما سمّاه «مذكّرة وطنية». هلّل لها السياسيون. مسيحيون ومسلمون، «8 و14» آذار، سفراء وديبلوماسيون، جميعهم أثنوا على المذكرة. نوّهوا بأولوياتها، توافقوا على ثوابتها، شاركوها هواجسها، وتوافقوا معها على رؤيتها لأسس الانطلاق نحو المستقبل.
وكمثل عادة اللبنانيين، طُويت المذكرة ورُحّلت إلى الأدراج. تحوّلت وثيقة جديدة أُضيفت الى وثائق كثيرة سبقتها، حتى على الصعيد الكنسي. ساهم البطريرك الراعي، بنشاطاته التي لا تهدأ ومواقفه التي تستدرج دوماً ردود فعل متباينة، في صرف النظر عن المذكرة.
كانت دوائر بكركي تتوقع أن تتلقف المؤسسات المارونية المذكرة وتعمل على نشرها. كانت تفترض أن الأحزاب والقوى المسيحية، على اختلافها، ستجد في المذكرة ما يمكن الارتكاز عليه والعمل بهديه، تحت سقف بكركي. كان المنتظر أن تهز المذكرة الركود السياسي في الاوساط المسيحية تمهيداً لمد اليد والشبك مع المسلمين على الثوابت التي حددت الوثيقة ثلاثيتها: العيش المشترك، الميثاق الوطني والصيغة.
لم يحصل أيّ من ذلك. سقطت الوثيقة في سوق الاستهلاك السياسي اللبناني السريع، الذي يطحن كل طرح او مشروع او فكرة.
لم ترتح بكركي ولا كثيرون ممن يدورون في فلكها الى سقوط هذه المذكرة من التداول، خصوصاً في ظل ظروف كالتي نشهد حيث «تتناقص قنوات التحاور بين اللبنانيين».
وفي مبادرة من «الهيئة المدنية لدعم مذكرة بكركي الوطنية»، وبالتعاون مع دوائر الصرح البطريركي، تجري محاولة لضخ الروح في المذكرة توسلاً لإبقائها «جسر تواصل ومساحة تلاقٍ بين اللبنانيين على جوامع وطنية»، كما يقول رئيس الهيئة فريد هيكل الخازن. تنظم الهيئة مؤتمراً وطنياً الاثنين المقبل عنوانه «مذكرة بكركي: مشروع وطن» لمقاربة وقراءة المذكرة من جوانب متعددة.
تتزاحم الأسئلة عن الخلفيات والأسباب والتوقيت. هل هي لإعادة تركيز الاهتمام بما يجمع حول بكركي عوض الانسياق وراء ما يدفع الى الانقسام، وليس آخرها الزيارة المرتقبة الى القدس؟
هل هي محاولة لتلمس طريق ثالث «بكركوي» وسط الثنائية المسيحية الموجودة والتي تكاد تخنق السياسة والحياة السياسية في الوسط المسيحي؟
هل من رابط بين الخوف من تسلل الشغور إلى رئاسة الجمهورية وبين محاولة إعادة التذكير بثوابت بكركي التي تتمسك باحترامها؟
يتجاوز الخازن كل هذه الأسئلة ليؤكد ان بكركي، في كل المواقع، تسأل ولا تُسأل. لا تُسأل عن وطنيتها ولا عن موقفها من القضية الفلسطينية ولا في حفظها للكرامة الوطنية والسيادة والاستقلال. كما غنيّ عن القول تأكيد حرصها على التنوّع اللبناني، كما التنوع في الحياة السياسية. والمؤتمر ليس سوى مساحة يلتقي عليها المختلفون والمتفقون حول مذكرة بكركي ليطوروا المشترك في ما بينهم».
اوساط الدوائر البطريركية المتحمسة لمناقشة المذكرة وتطوير طروحاتها تعتبر أن «مثل هذه المناقشات تقرب بين اللبنانيين وتفيدهم في حاضرهم وغدهم وليس الانخراط في مواقف وأحكام تزيد من الشرخ بينهم. إن غاية بكركي كما أكدت المذكرة نفسها، التي صدرت على مسافة ست سنوات من الاحتفال بالمئوية الاولى على إعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920، هي تأكيد استمرار الإيمان بلبنان، بلداً مشدوداً الى المستقبل. وقد حان الوقت لترجمة هذا الإيمان بالتركيز على اسس قيام الدولة، والالتزام بها فعلاً وقولاً من كل القوى السياسية في لبنان، لأن الدولة الفاعلة والقادرة والمنتجة هي التعبير الحقيقي عن الإيمان بالكيان والمشروع اللبنانيين».
لا تريد بكركي ان تدخل في التفاصيل. هي أدلت بدلوها في المذكرة وتنتظر ان يتحاور المختلفون حولها، وهي تثق أنهم «سيلتقون على ما فيه مصلحة أبنائهم وامل غدهم».
ويبقى الهاجس المقيم في بكركي، واستطراداً في اوساط الهيئة المدنية لدعم مذكرة بكركي، انتخاب رئيس جديد للجمهورية. انتخاب كانت المذكرة واضحة في حسمه. «فانتخاب رئيس للدولة وحامٍ للدستور، من ضمن المهلة المحددة دستورياً وخارج أي جدل دستوري، الشرط الأساس والذي من دونه لا حضور للدولة ولا انطلاق نحو المستقبل».