IMLebanon

مركزية «داعش» في خطاب «حزب الله»

 

ليس هناك ما يستفزّ «حزب الله» في هذه الآونة قدر مقارنته بـ»داعش». وليس هناك ما يستفزّ أخصام «حزب الله» في المقابل قدر توسّع هذا الحزب في تعميم نعت «داعش» على كل من يخالفه العقيدة أو الرأي أو ينازعه في المصالح والسياسات.

مع ذلك، لا تطابق بين مستويي السجال. فالمشكلة مع مقارنة «حزب الله» بـ»داعش» أنها تبقى ناقصة ما لم تشخّص عناصر الاختلاف والمباينة والمناقضة بين هاتين الحركتين. أما المشكلة مع توسّع «حزب الله» في وصم كل ما لا يروق له لبنانياً وسورياً وعراقياً على أنّه من فئة «داعش» ففي أنّه توسّع يكابر على الانقسام المذهبي ويغذّيه في الوقت نفسه.

من جهة، يقول الحزب إنّ «داعش» تمثّل أقلّية في السنّة وأنها تحارب السنّة كما الشيعة. لكن من جهة ثانية، هو يختزل مشكلة العرب السنة في العراق في ظلّ الحكم الاجتثاثي الفئوي الموالي لإيران، ومشكلة العرب السنة في سوريا في ظل النظام الفئوي الدموي، ومشكلة المتضررين من مشروع الغلبة الفئوية الذي يقوده كـ»حزب الله» في لبنان، ومشكلة المتضررين إقليمياً من سياسات الهيمنة والتمدد الإيرانيين في المشرق والخليج واليمن الى مرايا لـ»داعش«.

وهكذا، فبدلاً من أن تكون المقدّمة السليمة «داعش أقلّية في السنّة» مدخلاً لأحكام سليمة، تراها تقحم الحزب في دوامة من قبيل: السنّة لا يستطيعون أن يمّثلوا أنفسهم بأنفسهم من حيث هم أكثرية، إنما بالمستطاع التوكّل عنهم، فإما أن تؤول الوكالة عنهم إلى أقلية منهم، وهذه «داعش» وأخواتها، وإما أن تكتب الوكالة لأقلية ليست منهم، وهذه حال النظام السوري و»حزب الله». بعد ذلك، يصير مفهوماً رفض الحزب لأي شبهة مقارنة بينه وبين «داعش». فهو يطرح العلاقة أصلاً بينه وبين «داعش» على أنّهما شركتا تأمين تتسابقان لانتزاع العقد من الجمهور نفسه. هو يظنّ أنه بذلك يخرج السجال من قالبه المذهبي إلى قالب أيديولوجي، فيه شق يتصل بصراع الخير والشر، وشق آخر يتصل بصراع العقل واللاعقل، وصراع التنوّع والأحادية. لكن ما يفعله في نهاية الأمر ليس إلا عملية تحميل الصراع المذهبي نفسه أثقالاً إضافية، بجوهرته كصراع بين الخير والشر، وبين العقل واللاعقل، وبين التنوّع والأحادية.

بالتأكيد «حزب الله» شيء و»داعش» شيء آخر. لكن هذه المباينة لا يفهمها الحزب إلا كمفاصلة بين أخيار وأشرار، وملائكة وشياطين، في حين أنّ معايير للنظر ما زالت مفقودة وهي الأولى. ليس يمكن مثلاً المكابرة على أنّ «داعش» و»حزب الله» يتشاركان في أن كل واحد منهما يريد إعادة هندسة اللون المذهبي الذي ينتمي له لجعله على صورة عقيدته الأيديولوجية ومثاله، وأن لكل منهما أيديولوجيا دينية قتالية، لكنْ ثمة فوارق أساسية بعد ذلك بين جماعة تسعى إلى التوفيق بين الشريعة وبين الدستور والقانون، وبين الوطنية والكونية الإسلامية، وبين جماعة تحارب كل توفيقية من هذا القبيل، وثمة فارق أساسي بين جماعة تعتبر أن مواجهة الجماعات المخاصمة لها يكون بالاقتصاص من نخبها، بالإرهاب، وبين جماعة تعتبر أن مواجهة الجماعات المخالفة لها تكون بهدر دم هذه الجماعات، وإطلاق العنان لمخيلة «إباديّة». بهذا المعنى، نعم «حزب الله» ليس كـ»داعش»، لكن اختلافهما، كما صراعهما، يرتبط بمحدّدات بنية ذهنية وأيديولوجية مشتركة، هذه البنية التي لعب كلٌ من قيام الثورة الإيرانية وقيام الجهاد الأفغاني دوراً موازياً في عملية تدشينها. أن يرفض الحزب احتسابه على هذه البنية الذهنية التي يتشارك بها مع «داعش» فهذا يتطلّب منه تغييرات أساسية: التبنّي الناجز للكيانية اللبنانية، الحرص على خصوصية التشيّع اللبناني وتنويع أنماط تفاعله مع الثقافات الشيعية الأخرى بدلاً من حصرها في المصفاة الإيرانية الرسمية، الإقرار بأنّ ثمة مسألة سنية في العراق وسوريا ولا تختصر في مجرّد انحرافات قام بها نوري المالكي أو ضابط من هنا أو هناك في النظام الأسدي. هذا غيض من فيض، إذا ما أراد الحزب أن يعمّق اختلافه عن «داعش». أما في حالته الراهنة، فنعم، هو ليس كـ»داعش»، فنمطه في التنكيل غير نمطها، ونمطه في تجاوز الحدود غير نمطها، ونمطه في تقويض القانون غير نمطها، ونمطه في خوض الصراع المذهبي غير نمطها، لكن يبقى أن له نمطاً في كل مجال من هذا.