IMLebanon

مسؤوليّة اللعب في الملعب الماروني؟!

مرّة جديدة، وعلى ابواب فصل الصيف، يجد اللبنانيون انفسهم في عين العاصفة، سياسياً وامنياً، ويعود القلق والحذر والخوف، تدقّ ابواب الناس، والقطاعات الاقتصادية والصناعية والتجارية والسياحية منذرة بعودة موسم ضبّ الحقائب، تأهّباً للمغادرة، خصوصاً بعد مسارعة سفارة دولة الامارات الى دعوة رعاياها لمغادرة لبنان فوراً، وعدم السفر اليه حالياً، ومن المتوقع ان تلحق بهذه الدعوة دعوات مماثلة من دول عربية واجنبية، على قاعدة علمها، بأن الآتي أعظم من جهة، وحرصاً على سلامة رعاياها من جهة ثانية، واعتبر بعض المراقبين والمراسلين الاجانب ان طريقة المداهمات التي حصلت في فنادق الحمراء، وطاولت عدداً من السيّاح العرب ورجال الاعمال، والضجّة الاعلامية التي ثارت حولها، بالتوازي مع التفجير الانتحاري الذي حصل في منطقة ضهر البيدر، كان لهما الأثر السلبي السيىء، وخلق اجواء مسمومة داخل لبنان، وخشية وترقّب خارجه، وما زاد في الطين بلّة، تزامن ما حصل، مع الخلاف العمودي الحادّ القائم بين الأفرقاء السياسيين، الذي حال حتى الآن، وبعد مضي حوالى الشهر على الفراغ في منصب رئاسة الجمهورية، دون انتخاب رئيس جديد وفق الدستور، واستمرار قوى 8 آذار، او اغلبيتها الساحقة، في مقاطعة جلسات مجلس النواب، تعطيلاً لعملية الانتخاب، انطلاقاً من معادلة غريبة على الانظمة الديموقراطية، خلاصتها، «من حقّي ان اعطّل، طالما انني غير قادر على تأمين نجاح مرشحي».

***

في هذا الوقت المتأزم سياسياً، والمتوتر أمنياً، والمتدهور اقتصادياً، والقلق عربياً من تنامي قوة تنظيم داعش الارهابي في العراق وسوريا، عقد اللقاء المنتظر في باريس بين رئىس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس حزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، بعد انقطاع طويل بين الرجلين، وصدر بيانان مقتضبان عن الطرفين، تعمّدا فيه عدم الاشارة الى ما تم التفاهم عليه، واكتفيا بالتأكيد على ان اللقاء كان ايجابياً وجيداً، الا ان ما نشرته جريدتا الحياة والشرق الاوسط نقلاً عن مصادر قريبة من سعد الحريري، كشف بعضاً مما دار بين الرجلين، وخلاصته ان الحريري ربط موافقته على مرشح وسطي او توافقي بموافقة العماد ميشال عون، على قاعدة انه «لا يريد ان يلعب في الملعب الماروني ولن يلعب» رافضاً بذلك تأييد المرشح النائب هنري حلو، اذا لم يرض عنه عون، ولكنه في الوقت ذاته، كرر انه ملتزم بحلفائه المسيحيين، ومن يريد ان يكون مرشحاً وفاقياً، عليه ان يتوافق معهم.

ان ثبتت صحة هذه المواقف المنسوبة الى سعد الحريري، فانها في بعض جوانبها، تدل على «تناقض خلاّق» يمكن لكل جهة ان تفسّره كما يحلو لها، وكما ينسجم مع طموحاتها، فالعماد عون الذي اعلن بوضوح انه غير مستعد للتنازل لمصلحة اي مرشح، يرتاح لحق النقض الذي منحه اياه الحريري، والفريق المسيحي في 14 آذار بمرشحيه الثلاثة الدكتور سمير جعجع والرئيس امين الجميل والوزير بطرس حرب، وفي شكل خاص الدكتور جعجع المرشح المعلن لقوى 14 آذار، يرتاح الى ان اي مرشح آخر، لن يمرّ عند تيار المستقبل الا بالتفاهم معهم، وبذلك فان الطرفين يتمتعان بحق النقض المعطل، بما يعني ان الجميع يدورون في حلقة مفرغة من التعطيل المتبادل، اما قوله انه لا يريد ان يلعب في الملعب الماروني، فانه رسالة الى النائب جنبلاط ونصيحة بعدم الاستمرار في حمل راية النائب حلو، كما انه اتهام لقوى 8 آذار بانهم يريدون فرض الرئيس الذي يناسبهم دون الاهتمام او الاخذ في الاعتبار موقف مسيحيي 8 آذار او سيّد بكركي الذي لا يفضّل مرشحاً على آخر.

في نهاية الأمر، هناك ثابتة واحدة، ان منصب رئاسة الجمهورية فرغ منذ شهر، وان هناك فريقاً يرفض ان يمارس الواجب الدستوري الذي يفرض عليه ان ينتخب رئىساً فوراً، وان هذا الفريق هو الذي يلعب في الملعب الماروني خلافاً للاعراف وللميثاق الوطني، بسبب عجزه عن تأمين الاكثرية الضرورية لانجاح مرشحه، وهو الذي يعرّض لبنان للرياح الساخنة التي تهبّ عليه، لان عدم انتخاب رئيس للجمهورية ينعكس سلباً على مجلسي النواب والوزراء، وعلى نظرة دول العالم الى لبنان من دون رأس يتوّج مؤسساته.