«اشتدي أزمة فإنفرجي» هذا هو حال ملف «سلسلة الرتب والرواتب» الذي وصل إلى الحد الأقصى من التصعيد والكباش الحاد بين «هيئة التنسيق النقابية» وبين المرجعيات السياسية التي تتحكم بمفاصل السلطة التنفيذية والتشريعية في الدولة اللبنانية الخائرة القوى أمام الأزمات السياسية والأمنية والإقتصادية والإجتماعية والمعيشية التي تضرب فيها من كل حدب وصوب نتيجة هذا النظام السياسي الطائفي والمذهبي المتخلف الذي لا ينتج تباعا سوى الأزمات المتتالية، هذا ما قالته أوساط سياسية واسعة الإطلاع لـ«الديار». واشارت الى انه في ظل انسداد كل السبل أمام امكانية انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية بسبب التعقيدات الداخلية المرتبطة بشكل او بآخر بالمناخ الإقليمي الملتهب في المنطقة، فأنه وعلى الرغم من التطورات الدراماتيكية التي أملت على الوزير الياس ابو صعب و بعد اخذ ورد ومسيرة طويلة من التجاذبات والعمل النقابي وبعد اعتصامات واضرابات عديدة على اتخاذ القرار الصعب بإصدار الافادات للطلاب لإنقاذ مستقبلهم من مخاطر هذا الوضع الشاذ الشائك والصعب،فأن الطبقة السياسية وضمن الهامش السياسي المحلي المسموح لها به من قبل القوى الإقليمية المؤثرة والفاعلة في الساحة اللبنانية، تسعى هذه القوى جاهدة لإقرار سلسلة الرتب والرواتب في أقرب وقت ممكن. وهناك مؤشرات إيجابية تدل على ان عقد جلسة تشريعية لإقرار هذه السلسلة بات وشيكا سيما أن هناك طروحات باتت شبه مقبولة من الجميع من شأنها أن تفسح المجال أمام اقرار السلسلة على قاعدة التقسيط وتخفيض بعض أعباء أرقام السلسلة وذلك من دون الولوج نحو أضافة أي زيادة على ضريبة القيمة المضافة TVA.
الأوساط لفتت الى ان المسار السياسي الذي سيقود نحو اقرار السلسلة هو نفسه سيقود أيضا نحو التمديد لمجلس النواب على قاعدة بأنه إضافة إلى التعقيدات التقنية والعملية لإجراء الإنتخابات النيابية،فأنه طالما أنه لا انتخابات رئاسية فإنه لا امكانية لإجراء الإنتخابات النيابية في ظل الظروف الأمنية الخطيرة التي تعصف في البلاد خصوصا في البقاع والشمال خصوصا على وقع تهديد الهواء الأصفر الذي يجتاح لبنان والمنطقة والذي وصلت نفحاته الأصولية – التكفيرية الحارقة إلى الشارع السني في بعض المناطق اللبنانية التي تحتاج أوضاعها المضطربة إلى معالجات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية مكثفة لإستئصال هذه الحالة المتطرفة… بحيث أنه لا يمكن للطبقة السياسية خصوصا بعد أحداث طرابلس وعكار والضنية وصيدا في عبرا وعرسال أن تغض الطرف عن هذا الخطر من خلال اجراء الإنتخابات النيابية مع ما تتضمنه من خطابات شحن ومزايدات شعبوية طائفية ومذهبية لإستقطاب الأصوات الإنتخابية من دون أن تأخذ في عين الإعتبار بأن مثل هذا الأمر يحمل الكثير من الخطر الذي يهدد بإنفجار الشارع المحتقن وبالتالي أخذ البلاد نحو منزلقات الفوضى والفتنة السنية – الشيعية التي تبقى الأولوية المحلية والخارجية هي لتجنبها بأي ثمن على أرض وطن الأرز الذي يجب المحافظة عليه كنموذج ومثال يحتذى في التعدد والتنوع والتعايش الوطني المشترك الواحد.
وفي السياق نفسه، رأت مصادر نيابية بارزة بأن المراقبين للوضع اللبناني يدركون بان الدخول في غمار الإنتخابات النيابية دونه عقبات ومخاطر كثيرة، وضمن هذا الإطار فأن النصائح الإقليمية والدولية التي وصلت إلى المسؤولين اللبنانيين من كل الإتجاهات تقاطعت حول نقطة بأنه يستحسن على المسؤولين في 14 و8 آذار وما بينهما من قوى وسطية ومستقلة تجنب تداعيات وعواقب هذا الإستحقاق الذي عادة ما يكون ساخنا في الأوضاع العادية فكيف الحال والأوضاع التي يعيشها لبنان والمنطقة هي أوضاع استثنائية وغير مسبوقة بسخونتها. خصوصا أن اجراء الإنتخابات النيابية وفق قانون انتخاب الـ 60 لن يغير شيئا في المشهد السياسي ولا في الخريطة والتركيبة السياسية، كون هذا القانون سيعيد انتاج الطبقة السياسية نفسها مع بعض التعديلات الطفيفة لناحية حصول هذا الفريق على مقعدين بالزايد أو بالناقص في مجلس النواب وهذا أمر ليس من شأنه أن يقلب المشهد السياسي في لبنان رأسا على عقب أي من ضفة إلى أخرى خصوصا أن المعادلة الدولية ـ الإقليمية التي تتحكم بإيقاع الحياة السياسية في لبنان هي في خطوطها العريضة والإستراتيجية مرتبطة بموازين القوى الإقليمية والدولية في المنطقة التي تحول وتمنع ولا تسمح حتى اشعار آخر بحصول اي انقلاب في المشهد السياسي اللبناني على نحو من شأنه أن يخل بموازين القوى التي تفرضها المعادلة القائمة حاليا. وبالتالي، هناك حرص خارجي على بقاء الستاتيكو السياسي في لبنان في المرحلة الراهنة سيما أن الإخلال في هذا الستاتيكو في ظل الظروف الراهنة الصعبة التي يعيشها محيط لبنان وجواره لا سيما في سوريا والعراق فيه هو أمر يحمل في طياته مجازفة و مغامرة غير محسوبة العواقب وقفز في المجهول وهذا أمر لن تسمح بحصوله الدول المعنية بأمن واستقرار لبنان والنأي بساحته قدر الإمكان عن حمم البركان المتفجر في المنطقة.
ولفتت المصادر عينها الى ان اقتراح النائب نقولا فتوش الذي يلتمس التمديد للمجلس النيابي هو في حقيقة الأمر اقتراح كافة القوى المعنية بأزمة لبنان، بحيث أن الضرورات والأسباب الموجبة التي يرتكز إليها فتوش في اقتراحه كي يسلك التمديد طريقه الصحيح في الدولة اللبنانية هي ضرورات واسباب موجبة محلية وإقليمية ـ دولية تدعم التمديد للمجلس النيابي في لبنان حتى اشعار آخر. مضيفة بأن المباحثات الجارية في كواليس الأروقة السياسية والدبلوماسية في بيروت قد تجاوزت مسألة التوافق على التمديد الذي بات خطوة مؤكدة خلال الايام المقبلة بل أن البحث يتركز اليوم فقط على مدة التمديد الثاني للمجلس النيابي الحالي.حيث هناك وجهتي نظر تتحكم بهذا النقاش، وجهة النظر الأولى تُنظر وتُسوق للتمديد الطويل الذي يجب أن لا يقل عن سنتين انطلاقا من القراءة الموضوعية للوضع المحلي والإقليمي الذي لن يتبدل ويتغير كثيرا في فترة وشيكة خصوصا في الساحة السورية، وبين الوجهة الثانية التي تسعى بأن يكون التمديد ضمن الإطار التقني القصير الأجل الذي يسمح بإعطاء الوقت اللازم لبلورة التسوية المطلوبة لإنهاء حالة الشغور الرئاسي ولبلورة قانون جديد للإنتخابات يحظى بقبول وموافقة جميع المكونات السياسية المحلية خصوصا ان هناك قوى أساسية وكبيرة في البلاد غير موافقة على اجراء الإنتخابات النيابية وفق قانون الـ 60.