IMLebanon

مسار التسويات انطلق مع سقوط المالكي؟

 

مسار التسويات بدأ. نوري المالكي، الأول الذي سقط لأنه مانع. لبنان الثاني، صورة الصعود والسقوط مختلفة باختلاف واقعه. ثم يأتي دور سوريا والأسد. إسرائيل ليست خارج اللعبة. دورها قادم بطريقة أخرى بسبب خصوصيتها.

لم تنتصر إسرائيل، ولم تهزم. عملية «الجرف الصامد» لم تجرف. صمدت إسرائيل التي اعتادت الانتصار في الحروب. تعرف إسرائيل أنها ستبقى يتيمة، كما جاءت من عمق الخرافات والأساطير. فإن التعامل الأساسي لإسرائيل دائماً بواقعية مع المراحل، رغم كل سياسة الصلافة والاستقواء.

حتى الآن، تبدو نتيجة «الجرف الصامد»، غريبة بعض الشيء. إسرائيل و»حماس»، تريدان إنهاء الحرب، لأنهما تعبتا. تكلفة الحرب باهظة إسرائيلياً ومسألة الدخول في حرب استنزاف طويلة صعبة جداً، والدخول في مغامرة الاحتلال الشامل لغزة مكلفة جداً الى درجة الاستحالة.

من يضمن لإسرائيل عدم انفجار الرأي العام الدولي أمام خسائر غزة من المدنيين خصوصاً وأن عطلة الصيف بدأت تنتهي والتي تعني عودة الحياة الى الساحات والشوارع؟ هذا الوضع يوجد باعتراف إسرائيل أيضاً. انهيار كامل بالأمان في المستعمرات التي تقع في غلاف غزة من حيثياته تمرد سكان مستعمرة «ناحل عوز» ورفضهم العودة الى منازلهم كما طلب منهم رئيس أركان الجيش.

عملية «تدجين» «حماس» مستمرة في مفاوضات القاهرة تفاوض ضمن وفد من ثمانية أطراف. القرار النهائي لا يعود لها وحدها. عليها أن تجد حلاً مع مصر لأن «مفتاح» رفح معها. ماذا تفعل «حماس« إذا كان العالم معها ومصر ضدها؟ الضفة الغربية لم تنتفض ولم تتحرك كما كانت حماس تأمل وتتوقع، لذلك بقيت وحيدة، التضامن الفلسطيني معها محدود. استمرار حرب الاستنزاف، صعب جداً ومكلف جداً. ثم ماذا ستعمل حماس مع كلفة إعادة الاعمار. من سيدفع لها. وكيف سيتم وصول الحديد والاسمنت لإعادة البناء إذا لم تتصالح مع مصر مع ما يعني ذلك من دفع ثمن المصالحة خصوصاً وأن القاهرة تعتبر أن جزءاً أساسياً من الثمن يجب أن يكون مصرياً وأساسه العلاقة مع «الإخوان المسلمين».

المأزق مشترك بين إسرائيل وحماس. لذلك كل واحد منهما مأزوم. لكن ضمن كل المتغيرات التي تجرى في منطقة الشرق الأوسط وحتى العالم فإن أزمة حماس محلية، بينما اسرائيل أزمتها اقليمية ودولية تتناول مسألة تغيير واسع وعميق في موقع إسرائيل ودورها في المنطقة.

طوال السنوات الثلاث الأخيرة، التي جرت تحت عنوان «الربيع العربي»، بدت إسرائيل وكأنها المنتصرة الكبيرة. لقد تحقق لها كل ما أرادته. سوريا والعراق ومصر خرجت من حساباتها لعقدين، وإذا ما أضيف الى ذلك «الحرب» السنية الشيعية بمختلف أشكالها، فإن إسرائيل ستصبح الدولة اليهودية الكبرى وسط الدول والكيانات المذهبية المفككة والصغيرة بإدارة إيران وتركيا اللتين في منطق الدول الكبيرة تتفهم مصالح دولة مثل إسرائيل في المنطقة، خصوصاً وأن التباعد والخلافات وحتى العداء بينهم لن يصل الى حدود المواجهات فكيف بالحرب؟

مشكلة إسرائيل الأولى في ظل هذه التغيرات أنه ليس مسموحاً لها الاستمرار في وضع الفلسطينيين في قفص مقفول مفتاحه معها، تمنحهم من وقت لآخر، القليل الذي يبقي لهم الحياة من دون كرامة ولا حرية. حتى باراك أوباما قالها بوضوح. استمرار الحروب، سيؤكد على حق الفلسطينيين بالخروج من «القفص». وهذا خسارة كبيرة لإسرائيل التي لا تريد المصالحة ودفع ثمنها.

أيضاً، كلما تقدم مسار الاعتدال والتسوية في المنطقة فإن إسرائيل التي تعيش حالياً حالة من الانجراف السريع نحو أقصى اليمين والتطرف، لا يمكنها الاستمرار في ذلك، لأنها ستقع في حالة الصدام المباشر بـ«القطار» اليميني.

الاصطدام المدمر بين «القطارين»، لن يكون مسموحاً. العالم كله وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، بدأ يعاني، من الحروب المسلسلة في الشرق الأوسط. ظهور «داعش» ومكملاته ليس خطراً على المنطقة فقط. عندما تقول هيلاري كلينتون ما معناه أن أوباما مسؤول عملياً عن نمو «داعش» عندما أهمل المعارضة السورية المدنية، يعني ان استراتيجية «التدخل السلبي» بدأت تتأكل وأن استراتيجية جديدة بدأت تتشكّل على قاعدة الخوف من التطرف وكل مسبباته وأدواته.

التغيير سيتنامى مع انطلاق مسار التسويات، البداية من العراق، مع تسمية رئيس وزراء جديد بالتفاهم الكامل مهما جرى إنكاره بين واشنطن وطهران واحترام كلمة السعودية. لبنان على الطريق. وإسرائيل لا بد أن تنضم الى القافلة مهما تمتع نتنياهو لأنه يعرف أن خروجه من السلطة جزء أساسي من كل ذلك.