عاد الوضع الأمني إلى واجهة الأحداث بعد التطوّرات المسجّلة على محور ملف الجنود المخطوفين من قبل تنظيم «داعش» في عرسال، وذلك في ضوء حدثين بارزين تناولا هذا الملف ومسرحهما السراي الحكومية، حيث ركّزت زيارة السفير الأميركي في لبنان دافيد هيل لرئيس الحكومة تمام سلام بحسب مصادر وزارية على الواقع الأمني لبحث أحداث عرسال وعملية خطف الجنود والإجراءات الأمنية المتّخذة في المنطقة، كما في عدة مناطق أخرى شمالية، إضافة إلى قضية دعم الجيش اللبناني من قبل واشنطن وبشكل سريع بعد التطوّرات الدراماتيكية. أما الحدث الثاني فتركّز على بحث قضية الجنود المخطوفين، والذي ما زال طي الكتمان الشديد، وذلك بناء على طلب خاص من رئاسة الحكومة في الدرجة الأولى، كما من قيادة الجيش نظراً لحساسية هذا الموضوع..
وتقول المصادر الوزارية أن تقويم الوضع الأمني العام قد حصل بشكل موسّع في الساعات الـ 48 الماضية في السراي الحكومية، وبحضور الوزراء المعنيين وقادة الأجهزة الأمنية والمسؤولين القضائيين المعنيين، حيث كانت قراءة لوقائع أمنية مستجدّة برزت بعد التحقيقات مع الموقوفين من المسلحين الذين قبض عليهم الجيش في عرسال، وذلك بموازاة تقارير أمنية ديبلوماسية عرضت الترابط ما بين أحداث عرسال الأخيرة وتمدّد تنظيم «داعش» في العراق وسوريا في المرحلة الأخيرة، كما أدرجت ما يحصل في أكثر من منطقة بقاعية وشمالية في سياق ارتدادات الواقع الأمني في سوريا بشكل خاص.
وكشفت المصادر الوزارية نفسها أن «مسلسل» المفاوضات مع خاطفي الجنود، وهم ينتمون إلى أكثر من تنظيم مسلّح في سوريا، ينبئ بتعقيدات عدة، كون ما تسرّب من قبل الوسطاء يشير إلى أن المسار سيكون طويلاً، وأن عملية التفاوض ستجري ضمن جدار سميك من السرّية والكتمان خشية أن تؤدي بعض التدخلات، أو الإعتراضات، على المضمون فتقطع خيط الإتصال الرفيع القائم مع الجهات الخاطفة عبر «هيئة العلماء المسلمين». ونبّهت المصادر إلى أن ما يتردّد عن إجراءات إنتقامية بحق مخيمات النازحين، لا ينطبق على الواقع، بل على العكس هو يهدف إلى التشويش والضغط على المفاوضات للإيحاء بأن القوى الأمنية تتعامل بقسوة مع النازحين، علماً أن غالبية هؤلاء موجودون في مخيمات النزوح الموجودة في عرسال ولم يغادروها إلا بنسبة قليلة.
وفي سياق متصل، فإن التحرّك البارز للسفير الأميركي خلال الأسبوعين الماضيين ينصبّ، وكما أوضحت المصادر الوزارية ذاتها، على عودة الإستقرار الأمني إلى مناطق التوتّر والإشتباك في عرسال وفي طرابلس بعد الإهتزازات الأخيرة، وعلى ترجمة الدعم الكلامي الأميركي للجيش اللبناني وللحكومة إلى خطوات عملية كتأمين أسلحة وذخائر ومعدّات عسكرية من جهة، والضغط من خلال الديبلوماسية الأميركية في المنطقة من جهة أخرى، وذلك لإنهاء حال التوتّر وعودة الوضع في المناطق المذكورة إلى سابق عهده، نظراً لاستشعار واشنطن حجم الخطر المحدق في الساحة اللبنانية كلها فيما لو اتّسعت رقعة المواجهات العسكرية التي اندلعت في عرسال، والقرار الدولي المنسجم مع الموقف الأميركي بالإبقاء على هذه الساحة معزولة من الناحية الأمنية عن النار المشتعلة في المنطقة.
وفي هذا المجال، أشارت المصادر نفسها أنه وعلى الرغم من أن الخطّة الأمنية في الشمال قد تعرّضت لبعض الخروقات في الاسابيع الماضية، فإن الإتجاه الآن هو نحو ضبط الوضع في الشارع، والقضاء على كل بقع التوتّر الأمني، والحؤول دون انزلاق الساحة الشمالية مجدّداً إلى الإنفجار بعد تسوية الوضع في عرسال. كذلك، تحدّثت المصادر عن المعركة التي تخوضها واشنطن ضد تنظيم «داعش» في العراق، موضحة أن مفاعيلها تمتدّ إلى أكثر من ساحة إقليمية، وأبرزها الساحة اللبنانية، حيث كان التدخل الأميركي واضحاً منذ الساعات الأولى لاندلاع المواجهات مع التنظيمات الإرهابية في عرسال، وذلك من خلال التأييد الكامل والمطلق للجيش والأجهزة الأمنية الرسمية، وتقديم الدعم، أو بالأحرى، تسريع تسليم المساعدات الأميركية للجيش اللبناني، إضافة إلى تقديم المعلومات المخابراتية حول تحرّك الخلايا والعناصر الإرهابية من الساحات المجاورة باتجاه لبنان.