خطاب «المستقبل» ليس بخير. هذا ما تشي به تعددية لغات «المستقبل» كتلة نيابية وتياراً سياسياً ومنابر إعلامية. إشكالية مردها محاولة الجمع بين موقف وطني مبدئي مع الجيش ومشروعية شعبية يخشى «التيار» أن يلتهمها «الداعشيون» و«إخوانهم» تدريجياً.
لا حاجة للتدقيق كثيراً في مفردات «المستقبل». صح القول أن كل «مستقبلي» يغنّي على ليلاه، وفقاً لمقتضيات الموقع ومتطلبات الشارع… حتى لو بدت الخطابات متناقضة في ما بينها.
يغيب المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري عن السمع «عرسالياً». يكتفي بتوزيع بيان عن استقبال الملك عبدالله أمراء السعودية وشخصيات بينها الحريري نفسه. يتصل الحريري بقائد الجيش العماد جان قهوجي ويبلغه دعم «التيار» له، لكن لا يتم تظهير الموقف للعلن. لماذا؟ لا أحد يملك الجواب إلا الحريري نفسه.
لا يعني ذلك أبداً أنّ مواقف «المستقلبيين» من الاشتباك الحاصل في عرسال بين الجيش اللبناني ومقاتلي «النصرة» ورفاقهم، مدروسة أو مبرمجة «عن بعد». هي في جزء كبير منها، تعبير عن ارتباك سياسي من جهة وعن حالة تفلّت تنظيمي من جهة ثانية.
لهذا ما كان أحد ليتوقع مثلاً أن يُسمع محمد كبارة مجارياً سعد الحريري في الشدّ على يد المؤسسة العسكرية في هذه اللحظة المصيرية التي يتشارك فيها «تيار المستقبل» مسؤولية السلطة التنفيذية التي يأتمر الجيش بأوامرها.
بدا كبارة محاطاً بـ«الصقرين» معين المرعبي وخالد الضاهر، منسجماً مع خطاب اعتاد عليه الشماليون، ولو أنه لم يراع فيه الحد الأدنى من مشاعر أهالي شهداء المؤسسة العسكرية والجرحى والمفقودين وبينهم العشرات من طرابلس والشمال.
تماهى خطاب فؤاد السنيورة وأحمد الحريري. حمّلا مسؤولية أحداث عرسال لـ«حزب الله»، وطالباه بالانسحاب من سوريا. عنوان يتخذه «المستقبل» مربضاً لتوجيه قصفه المنبري باتجاه الضاحية الجنوبية أولا، لولا أن بيان قيادة «المستقبل» تضمن كلاماً مختلفاً عن هذا وذاك.
لكن من يصدق الجمهور؟ رجل «السادات تاور» الذي يستغلّ فرصة مرونة «الصقريْن» نهاد المشنوق وأشرف ريفي فيلجأ لرفع السقف السياسي؟ أم قيادة «التيار الأزرق» المتناغم مع توجيهات زعيمه فيرفع المسؤولية، للمرة الأولى عن «حزب الله»؟
شدّد السنيورة على ضروة انسحاب المسلحين السوريين من الأراضي اللبنانية ومن بلدة عرسال بالتحديد، وضع عرسال ومحيطها تحت سلطة الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية، وانسحاب «حزب الله» من القتال في سوريا، وأكد أنه «ليس مسموحاً لأي طرف كان أن يرفع سلاحه في وجه القوى الشرعية اللبنانية، وأن يحمل السلاح على الأراضي اللبنانية».
في المقابل، اعتبرت قيادة تيار «المستقبل» أنّ «تورط «حزب الله» في الحرب السورية وإصراره على استدعاء الحريق السوري الى الأرض اللبنانية هو عمل مرفوض بكل المفاهيم الوطنية»، لكنها أكدت أن هذا التورط «لا يبرر لأي جهة، كائنة من كانت، أن تخرق السيادة اللبنانية، وأن تجعل منه وسيلة للاعتداء على الجيش اللبناني وعلى المؤسسات الشرعية اللبنانية».
وأكدت «دعمها المطلق للمؤسسات العسكرية والأمنية الشرعية في تصديها للأعمال الإجرامية ولكل الظواهر الشاذة»، ودعت «كل الجهات المعنية في عرسال إلى التعاون مع الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي لرد أي هجمات مسلحة».
أما «اللقاء الوطني الإسلامي» الذي يتحرك تحت سقف «المستقبل» شمالاً، فقد رأى أن «ما يجري في عرسال السنية البطلة الصامدة ليس إلا حلقة من مسلسل المؤامرة الإيرانية ـ الأسدية التي تهدف إلى السيطرة الكاملة على لبنان عبر إخضاع أهل السنّة»، وحذّر «من أي قرار يحوّل جيشنا من مؤسسة وطنية جامعة واجبها حماية كل اللبنانيين إلى ما يشبه جيش المالكي في عراق الولي الفقيه».
وشدد «اللقاء» في بيان تلاه النائب محمد كبارة، على «رفض السماح بتكرار مؤامرة عبرا في عرسال أو في غيرها من المدن اللبنانية السنية بقاعاً وجنوباً ووسطاً وشمالاً»، وشدد على «رفض أهل السنة استخدام أبنائهم من مدنيين وعسكريين دروعاً بشرية لحماية ميليشيا حزب ايران».
وأكد أن «من يريد أن يمنع الاعتداء الخارجي على أرض وطنه كان عليه أن يمنع ميليشيا حزب ايران من الاعتداء على الشعب السوري الشقيق على أرضه الوطنية. وانه لو قام الجيش بالانتشار على الحدود منذ البداية لما وصلنا الى ما وصلنا اليه».
وشدد على «وجوب الخروج الفوري للمسلحين من عرسال»، وطالب «الحكومة بالإيعاز الى قيادة الجيش والضغط على حزب الله بوقف إطلاق النار والصواريخ من قبل الحزب على عرسال بما يسمح للمسلحين بالخروج».
إلا أنّ من يجول بين أسماء المجتمعين في منزل كبارة بعنوان «اللقاء الوطني»، يدرك أنّ هؤلاء لا يتمردون على قيادتهم بل يعبّرون عما تعجز الأخيرة عن النطق به، بدليل مشاركة مستشار الرئيس سعد الحريري لشؤون الشمال عبد الغني كبارة في الاجتماع، قبل أن ينطلق هو وكل من كبارة والضاهر والمرعبي الى السرايا الكبيرة للقاء رئيس الحكومة تمام سلام!