IMLebanon

مسعى جنبلاطي لتسوية بانسحاب عون وجعجع وحلو

الحوار بين بري والحريري يتقدم.. بهدوء

مسعى جنبلاطي لتسوية بانسحاب عون وجعجع وحلو

يعرف وليد جنبلاط أكثر من غيره أن لا حوار يعول عليه محلياً إلا حوار «حزب الله» و«المستقبل»، لكنه يعرف أيضاً أن هذا الحوار يبدو مستحيلاً في الظروف الاقليمية الحالية.. ما البديل؟ لم يجد جنبلاط أفضل من فتح قنوات اتصال بين «المستقبل» و«أمل»، علها تمهد الطريق أمام توسيع هامش الحوار ليشمل كل الأفرقاء أو معظمهم، وصولاً إلى تفاهمات تجعل لبنان بمنأى عن نار الإقليم واشتباكه المترامي الأطراف.

عندما التقى الزعيم الاشتراكي الرئيس سعد الحريري في باريس، كان الحوار مع الرئيس نبيه بري أحد موضوعين طرحا خلال تلك الجلسة. ثانيهما هو محاولة إيجاد مخرج لمسألة ترشيح كل من سمير جعجع والعماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.

في الموضوع الأول، سرعان ما تجاوب الحريري مع أي ترتيب للعلاقة مع رئيس المجلس النيابي. أما في مسألة ترشيح جعجع وعون، فأكد لضيفه أن جعجع مرشح «14 آذار» الرسمي، وفي الوقت نفسه، لا مصلحة له في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، من خلال حمل كرة نار رفض ترشيح عون إلى الرئاسة. هو سبق ودعا رئيس «تكتل التغيير» إلى التواصل مع حلفائه المسيحيين، لكن الأخير لم يفعل. موضحاً أن استمرار الحوار بينه وبين «الجنرال» له مردوده الايجابي، خصوصا في ما يتعلق بعمل الحكومة. هذه النقطة لم تقنع جنبلاط على الأرجح، كونه بدا متحمسا لإنهاء أية صيغة تعطي إيحاءات ملتبسة للمرشحين الرئاسيين وبما يسهل التوصل إلى خيارات توافقية. برغم ذلك، اتفق والحريري على استمرار التواصل وعاد إلى بيروت، ليتبين له في أول اختبار أن أداء وزراء «تكتل التغيير» في أكثر من ملف يساهم في عرقلة عمل الحكومة.

التواصل مع بري أفرز لقاءين، حتى الآن، بين الوزير علي حسن خليل ومدير مكتب الحريري نادر الحريري، برعاية جنبلاطية من خلال وزير الصحة وائل أبو فاعور الذي كلف بدعم مسيرة الحوار المبني على ثلاثة عناوين: تحريك ملف رئاســة الجمهورية، تسيير عمل مجلس الوزراء وإعادة إحياء الجلسات التشريعية.

في الملف الأول، أيقن جنبلاط أن انتظار العصا السحرية من الخارج لن يجدي نفعاً في هذه المرحلة، فلا الاتفاق الإيراني – السعودي قريب ولا نهاية الأزمة السورية قريبة، أضف إلى التعقيدات التي تشهدها المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة 5+1. الأغرب أن من كان ينتظر حلولاً للملفات الثلاثة، وجد نفسه في مواجهة ملف «خلافة داعش» التي امتدت بين سوريا والعراق، وعينت أميراً لها في لبنان، قبل أن ينفجر المشهد الفلسطيني ويفضح أدوار دول وحكومات، قريبة وبعيدة من غزة. يقود ذلك إلى الاستنتاج أن لا أحد يفكر بلبنان وبمن يكون رئيسه في هذه المرحلة.

عند هذا الحد، لم يعد بالإمكان الانتظار، صار لا بد من إيجاد تسوية رئاسية تنهي مرحلة المراوحة والانتظار. التقييم ايجابي لعمل الحكومة ورئيسها تمام سلام، وهناك تجربة جديدة لا بد من التنويه بها على صعيد التعاون والتنسيق بين الأجهزة الأمنية اللبنانية للمرة الأولى منذ سنوات طويلة. كما أن استمرار مد هذه الأجهزة بالمعلومات الاستخبارية عنصر أمان إضافي للواقع اللبناني، لكن كل ذلك لا يكفي ولا يمكن أن يشكل بديلا عن استكمال عمل المؤسسات، بدءا من رئاسة الجمهورية وصولا إلى مجلس النواب مرورا بالحكومة وكل أجهزة الرقابة وإدارات الدولة.

على طاولة جنبلاط خطوط عريضة للتسوية، عنوانها الأول التفاهم على رئيس توافقي يستطيع أن يدير الأزمة ويدوّر الزوايا لبنانياً في انتظار التسويات الإقليمية والدولية المؤجلة. إذا كان تعبيد هذه الطريق يقتضي سحب المرشح النائب هنري حلو، فلا ضير عند جنبلاط من هكذا خطوة، على أن يقابلها انسحاب عون وجعجع. بالنسبة إلى رئيس «الاشتراكي»، فإن ترشيح جعجع ليس إلا ورقة للتفاوض، لذلك فإن المعضلة الأساسية تكمن في ترشيح عون. هنا، يعتقد جنبلاط أنه يفترض بـ«حزب الله» لعب دور أساسي في إقناع حليفه بسحب ترشيحه. حتى الآن، يبدو هذا الأمر مستحيلاً. لا تنكر المختارة قناعتها بأن أفضل من يستطيع إقناع الحزب بالدخول في التسوية هو بري.

في الملف الثاني، أي ملف الحكومة، لا مشكلة بين «المستقبل» و«أمل» وكلاهما يتفرجان على التعطيل الآتي من حلفائهما.

لم يبق إلا الملف التشريعي. ثمة ثلاث نقاط يجري البحث بشأنها:

ـ «سلسلة الرتب والرواتب»، التي لم يحصل بشأنها أي تقدم، مع إصرار «المستقبل» على زيادة الضريبة على القيمة المضافة واحدا في المئة، برغم أن النقاش بشأنها مستمر.

ـ زيادة الإنفاق بما يغطي رواتب الموظفين، إلا أن هذا الملف يلقى معارضة من كتلة «المستقبل» الساعية إلى إيجاد تسوية تشمل الـ11 مليار دولار التي صرفت خلافاً للقانون أيام حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.

ـ يبقى مشروع القانون المتعلق برفع سقف الاقتراض بالـ«يوروبوند» لتغطية خدمة الدين. هنا، لا مشكلة «مستقبلية» في عقد الجلسة لإقراره، لكن جنبلاط ما يزال يسعى للحصول على اتفاق أشمل، من دون أن يوفق حتى اليوم.

مع ذلك، ومهما كان الاتفاق محدوداً، فهو يشكل، بالنسبة لجنبلاط، الحجر الأساس الذي يمكن أن تبنى عليه علاقة أكثر متانة بين الطرفين. ذلك قد يبقى دون الهدف المرجو، لكنه لن يكون سبباً كافياً كي لا يمضي قدماً بما بدأه: الهدف توسيع الحوار، لكن الأهم يبقى عدم حرق المراحل ووعي مختلف الأطراف لخطورة المرحلة الاقليمية واللبنانية.