تقترب المدّة الممدّدة للمجلس النيابي على الانتهاء من دون أن ينتخب رئيساً للجمهورية، مع أنّ من مبرّرات التمديد سبعة عشر شهراً في أواخر شهر أيار من العام الماضي كان تمكين المجلس من انتخاب رئيس للجمهورية، وتمكين الحكومة والمجلس من إخراج قانون انتخابي متفق عليه، بعد أزمة مشروع «القانون الأرثوذكسي».
لم يحصل أيّ من الأمرين: دخلنا في فراغ رئاسي، يتعاظم خطره كلما عبرنا به من شهر الى آخر، وكلما جرى استصغار هذا الخطر بحجة أنه «أول على آخر» سوف تقضي تسوية إقليمية وداخلية ما بإيجاد حلّ لهذا الموضوع، تأسياً بذكرى الفراغ الحكومي، أو ربّما بمحنة مخطوفي أعزاز وانفراجها. وبالتوازي، لم تتقدّم الحياة السياسية خطوة واحدة على جبهة تظهير ملامح القانون الانتخابي «المنشود»، وصار مكشوفاً للجميع أن التداول بكافة أسماء الأطعمة هو لإبقاء الصحون فارغة.
لا رئيس للجمهورية، ولا قانون انتخاب، وفوق ذلك نقترب من المهلة المحددة لانتهاء ولاية هذا المجلس، في وقت تتسع فيه عملية خلط الحابل بالنابل، ليصير الفراغ والتعطيل خياراً نقابياً، وتربوياً، كأنّها علامات إنذار مبكرة بأمر أساسي: لا يمكن أن تتعطّل المؤسسات الدستورية للدولة، وتبقى وظائف الدولة ومرافقها الحياتية تعمل بشكل «طبيعي».
بخلاف العراق، ورغم ما يقاسيه لبنان جراء الكارثة الضاربة في الإقليم، إلا أن بلدنا يتمتع باستقرار اجتماعي وأمني هش، لكنه نسبة الى ما يحدث في العراق وسوريا يبقى استقراراً بشكل واضح، أي بشكل مخالف تماماً لمنطق الانهيار. يبقى ان الديموقراطية البرلمانية العراقية نجحت في ملء الشغور في رئاستي الجمهورية والبرلمان وفي الاتيان برئيس حكومة جديد خلافاً للصدامي المعكوس نوري المالكي، وذلك على حداثة عود هذه الديموقراطية، والمطاعن اللاحقة بها لأنها تشكّلت في ظل احتلال أجنبي وحرب أهلية، والانحراف الفئوي المذهبي لا سيما في ظل حكومة نور المالكي، الكارثة المتمثّلة بداعش وجرائمها الفظيعة. أما في لبنان، حيث لم يصل المشروع الفئوي التغلّبي لـ«حزب الله» الى ما وصل إليه المشروع الفئوي التابع لإيران في العراق، وحيث بقيت حال البلد الى التعطيل والفراغ أقرب منها إلى الانهيار، فإن مواقيت الاستحقاقات الدستورية تداهمنا، والتفاؤل بأنه يمكن دائماً التعامل مع هذه المسألة «الزمنية» بشكل متّزن في اللحظة الأخيرة هو تفاؤل أقل ما يقال فيه أنه غير مضمون. ليس كل فراغ يتجه صوب الانهيار الشامل، لكن كل فراغ يحتمل في طياته التدهور نحو الانهيار.
يبقى تحديد أولوية الضغط في لحظة كهذه. الضغط باتجاه انتخاب رئيس جديد للجمهورية في أسرع وقت لا ينبغي أن يتقدّم عليه أي شأن آخر. في أي موضوع يطرح داخلياً، الجواب عليه ينبغي أن يكون وحيداً وبسيطاً: أن يتوجه النواب لانتخاب رئيس.