انطباعات لبنانية بين بغداد وإقليم كردستان
مسيحيو العراق: نحن أيتام هذا الشرق
شكلت الاطلالات اللبنانية السياسية والروحية على العراق في الآونة الاخيرة، محاولة لتجميع الصورة العراقية عن قرب، بعدما بعثرتها التطورات الداعشية الاخيرة ووضعت العراق ككيان على مقصلة التفتيت والتقسيم.
تلك الاطلالات اللبنانية شملت مواطنين عراقيين ومسؤولين، فالتقطت بعضا من أجزاء الصورة، وخرجت بالانطباعات التالية:
– لا تشي الصورة العراقية بما يطمئن، لا على حاضر العراق ولا على مستقبله، وإنما بقلق يجتاح كل المفاصل، خاصة في بغداد.
– حقبة نوري المالكي انتهت، ويتجه العراق الآن نحو حقبة حيدر العبادي، لكن ليس في مقدور احد ان يؤكد امكان بلوغ حقبة العبادي في القريب العاجل بسلام، على الرغم من وجود اشارات ايجابية حول امكان تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل المكونات العراقية وتقدم ضمانات جدية للسنة.
– بغداد مهددة، والقيادة العراقية مربكة، والتحدي الارهابي اكبر من ان يقدر حجمه، وهي تعترف بأن الضربة المذهلة التي تلقتها في الموصل وانهيار الجيش العراقي هما اكثر من فضيحة نتيجة التقصير الفاضح والادارة السياسية والعسكرية والامنية السيئة.
– هناك عملية لاعادة بناء الجيش العراقي، وهناك مئات الآلاف من المتطوعين الجدد مستعدون للدفاع عن بغداد.
– تنظيم «داعش» هو مشروع لتفتيت العراق نهائيا وتفتيت المنطقة بشكل عام، ويحظى بتمويل عربي واسلامي وخليجي واقليمي. وان نجاح المواجهة مع «داعش» يتطلب بالدرجة الأولى انخراطا سنيا جديا فيها، وهذا قد يتأمن اذا ما كان السنة شركاء اساسيين في السلطة والقرار في العراق، والكرة هنا في ملعب حيدر العبادي.
– المؤسف في نظر القيادة العراقية الجديدة، ان هناك تجاهلا كبيرا من الغرب للحكومة المركزية العراقية، في وقت يتعاطى هذا الغرب بشكل مباشر مع اقليم كردستان، ولا سيما لناحية دعمه وتزويده بالسلاح وغير ذلك من دون الرجوع الى بغداد او التنسيق معها، علما بان هذا الامر لا يجيزه الدستور العراقي، وبالتالي لا صلاحية لاقليم كردستان ان يعقد معاهدات ويأتي بالسلاح بمعزل عن ارادة بغداد.
– تقارب القيادة العراقية موضوع المسيحيين بايجابية ملحوظة، لكنها تقر بأنها عاجزة عن حمايتهم، خاصة انه بعد الاجتياح «الداعشي» لم يعد هناك تماس مباشر بين الحكومة المركزية وسهل نينوى.
اما في أربيل، فالصورة والانطباعات تختلف:
ـ لم يكن الأكراد يتوقعون ان يستهدفهم «داعش»، وما دام فرض عليهم القتال فسيخوضونه، برغم ان «داعش» ليست تنظيما عسكريا فقط وإنما هو مشروع دولة تقوم على مساحة تزيد على 230 الف كيلومتر مربع، اي اكبر من لبنان بـ23 مرة. وقد كسر الحدود مع سوريا، ومع العراق، ويقوم ببناء دولته ويستخرج نفطه ويبيعه من دون رادع او مانع. ويمتلك ما يزيد على 1200 مدرعة غنمها من الجيشين العراقي والسوري، ويضم مجموعات مدربة تدريبا جيدا من كل العالم.
ـ لا يوجد تواصل جغرافي بين اقليم كرستان وبغداد. وهناك مشكلة كبيرة مع المركز (بغداد)، فقد مضت ثمانية اشهر من دون ان تدفع لنا ميزانيتنا.
– واثقون بالنصر، لكن ليس في وقت قريب، ولقد بدأ الغرب يستفيق، لكن ما قدمه حتى الآن من مساعدات غير كاف. المطلوب قرار دولي واضح وتنسيق وقيام «الناتو» بضرب الارهاب الذي يمثله «داعش»، وكذلك تسليح الاقليم بشكل كاف بما يمكنه من القتال ومع غطاء جوي لضرب هذه المجموعات.
– وضع المسيحيين كارثي، الى جانب الاقليات الاخرى كالايزيديين والشبك والكاكائيين، كلها ازيلت بالكامل، هناك مأساة كبرى ولا توجد امكانيات استيعاب، والمشكلة الكبرى قد تتبدى في الشتاء ان استمرت الحال على ما هي عليه. وتعاطي الغرب مع المسيحيين أخبث من «داعش»، وكأن هناك قرارا بمحو الوجود المسيحي من الشرق.
– مسيحيو العراق يطالبون بتحرّك فاعل من الفاتيكان واعلان حالة طوارئ لانقاذهم، وليس الاكتفاء بارسال مندوب الى هنا وهناك.
– يقول الاكراد ان ليس هناك حل او امكان لاسترداد سهل نينوى سوى باشتراك المسيحيين في القتال لاسترجاع ارضهم وبيوتهم، اي ان يقاتلوا مع الاكراد كجزء من البشمركة. لكن المسيحيين في المقابل يطلبون حماية دولية. وما يخشون منه انه ماذا يضمن لهم ان دخلوا اليوم مع البشمركة وحرروا سهل نينوى وبعد فترة عاد «داعش» وهجم مرة ثانية على السهل. وفي الخلاصة ان المسيحيين بين الهجرة والذوبان وبين ان يكونوا جزءا من الحركة العسكرية البشمركية الكردية، وبين طلب شبه مستحيل بجعل سهل نينوى منطقة امنية محمية من الامم المتحدة.
قال مسعود البارزاني لأحد البطاركة: «نموت معا او نحيا معا». وقال مسؤول كردي آخر: «مشهد اللاجئين محزن ويبعث على اليأس». فقيل له «المسيحيون ايتام. انتم تقولون ان لا اصدقاء للكرد الا الجبال، اما نحن المسيحيون فحتى الجبال ليست صديقة لنا. نحن أيتام هذا الشرق».