مشاركة «حزب الله» بالقتال في سوريا أضعَفَ مبرِّرات التمسّك بالسلاح والتفلّت من مرجعية الدولة
أليس إهدار قوة الحزب في الصراع السوري يحقّق جانباً من أهداف إسرائيل بإضعافه؟
لو تعرّض حزب الله لعدوان ما من العدو الإسرائيلي أو خاض مواجهة مفترضة معه، هل كان خسر مثل هذا العدد الكبير من خيرة مقاتليه المدرّبين والمخضرمين؟
كان «حزب الله» ينعت كل من ينتقد ممارساته وارتكاباته في الداخل والخارج وتخطيه للقوانين وتدخله بشؤون الدول الأخرى، بالعمالة للعدو الإسرائيلي وبتنفيذ مخططات الغرب والدفاع عن مصالح الولايات المتحدة الأميركية وما شابه، وعندما كان يطالب معظم اللبنانيين الحزب بوضع سلاحه تحت مرجعية الدولة اللبنانية وضمن قرارها الوطني الصرف، كان يتعرّض لأبشع حملات التحريض والتشويه والعمالة وتطاله التهديدات بالقتل والاعتداء التي لا تلبث أن تنفّذ مباشرة أو بالواسطة كما حصل مع العديد من السياسيين الذين تناولوا هذه المسألة الخلافية بامتياز بعد أن فقد وجود السلاح بيد الحزب أي مبرر منطقي إثر الانسحاب الاسرائيلي من مناطق الجنوب والبقاع الغربي في العام ألفين.
ماذا يحصل الآن، ومن ينفّذ أهداف اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية على الأرض؟
منذ أكثر من سنة بدأ «حزب الله» يرسل آلاف المقاتلين التابعين له والمحضّرين بالأساس لمواجهة العدو الاسرائيلي كما كان يروّج الحزب لذلك أمام الرأي العام للقتال الى جانب قوات الديكتاتور بشار الأسد التي توجه سلاحها لقتل أبناء الشعب السوري المنتفضين على حكم الطاغية ونظام الاستبداد والقمع ونهب الثروات، وكل يوم يخلق الحزب مبرراً واهياً وهشاً لتدخله بهذه الحرب التي تحوّلت الى محرقة لا تتوقف هي أشبه بحرب فيتنام أو أفغانستان، وخسر بنتيجتها الحزب بضع مئات او ما يقارب الألف حسب تقديرات امنية رسمية واكثر من ضعفهم جرحى وبينهم من لم يعودوا قادرين لممارسة حياتهم العادية من جديد بفعل الاصابات الجسدية البالغة او عقلياً من هول المعارك الدائرة في سوريا.
وبالطبع، فإن هناك تداعيات مؤثرة وخطيرة اجتماعياً على عائلات واقارب وذوي هؤلاء القتلى، برغم محاولات التغطية على هذه النتائج، إما بالتهديد او بدفع الاموال لضمان عدم تفاعل الاعتراضات ضد ممارسات الحزب هذه ومنع تحولها الى انتفاضة عارمة من الاهالي ضده لكثرة عدد القتلى «وقد بدأت هذه الاعتراضات بالاتساع بين ابناء القرى وخرجت الى العلن لعدم وجود أي مبرر لارسال المقاتلين الى سوريا».
فالشعارات والحجج والتبريرات التي يطلقها قادة «حزب الله» لذهاب مقاتلي الحزب الى سوريا اصبحت واهية ولم تعد تقنع احداً، خصوصاً ان أمد القتال الدائر بسوريا لا يبشر بنهاية قريبة، ووعود الامين العام للحزب بالانتصارات لم تتحقق على ارض الواقع.
ففي البداية طرح شعار الدفاع عن النظام ومنع سقوطه، ثم تحول في ما بعد الى مواجهة من سماهم الحزب بالتكفيريين «وكأن الحزب لا يتلاقى مع هؤلاء في الممارسات بالتهديد والقتل والتخريب وتفتيت الدولة واضعافها»، كما فعل بلبنان مثلاً، واخيراً طلع الحزب بشعار مواجهة المؤامرة «الكونية» على سوريا، وكأن ايران دولة ملائكية مسموح لها التدخل دون غيرها بالقتال لدعم نظام الطاغية وتبرير هيمنتها وسيطرتها على سوريا دون غيرها.
فلو تعرض «حزب الله» لعدوان ما من الاسرائيلي او خاض مواجهة مفترضة معه، هل كان الحزب خسر مثل هذا العدد الكبير من خيرة مقاتليه المدربين والمخضرمين في مثل هذه المواجهة؟ البعض من السياسيين يقول كلا، حتى لو حصلت مثل هذه الخسائر في مواجهة ما مع العدو الاسرائيلي فمن الممكن القبول بها وتبريرها باعتبارها واجباً وطنياً وقومياً، اما ما يحصل في القتال ضد الشعب السوري فلم يعد مقنعاً او مبرراً، مهما اجتهد قادة الحزب في تحوير الوقائع وقلب الحقائق رأساً على عقب لإيهام الرأي العام بجدوى هذه المشاركة ومحاولتهم تشويه وتقزيم مطالب الثورة السورية بالتحرر من الظلم والاستبداد ونهب الثروات المنظم طوال نصف قرن. ولا يقتصر التساؤل المطروح عن أهداف ومرامي انغماس «حزب الله» بالقتال في سوريا على هذا النحو على الحزب وحده، وإنما يتعداه ليشمل النظام الاسدي الذي راكم كل انواع وكميات السلاح الروسي على مدى العقود الخمسين الماضية وبكلفة عشرات المليارات من الدولارات مأخوذة من جيوب السوريين وتعبهم بحجة مقاتلة العدو الإسرائيلي وتحرير الجولان المحتل، وفجأة كل هذه الأسلحة المتراكمة وعلى أنواعها المختلفة توجه ضد ابناء الشعب السوري الثائر في سابقة لم تحصل في التاريخ الحديث بعد ولم توجه طلقة واحدة ضد اسرائيل، فهل ما يحصل هو محض صدفة أم مخطط له عن سابق قصد او تصميم استباقاً لدخول المنطقة العربية عموماً عصر تسوية الملف النووي الإيراني مع الولايات المتحدة والغرب على حد سواء؟
اليس ذهاب «حزب الله» بامكانياته العسكرية الكبيرة وخسارته بالرجال والعتاد وهدر قوته يحقق أهم أهداف العدو الإسرائيلي وأقوى بكثير من مطالبة البعض بالداخل اللبناني تسوية موضوع هذا السلاح بطريقة الحوار بعدما فقد هذا السلاح مبرر وجوده وسقطت كل ذرائع التمسك به بعيداً عن مرجعية الدولة الحصرية؟
أسئلة كثيرة يحق للعامة تردادها بعد كل ما يحصل بسوريا، لا سيما بعد أن لوحظ أن مشاركة الحزب وبقاءه برغم الخسارة الباهظة تتخطى ارادته وقراره وحده.