نبّهت مصادر نيابية مطّلعة إلى خطورة استقرار الوضع السياسي وانسحاب أي مبادرات أو تحرّكات داخلية من الأضواء وسط توجّه أكثر من جهة إلى التعايش مع واقع الشغور في موقع الرئاسة الأولى، وبالتالي، تطبيع الوضع في كل المؤسّسات العامة، وتحديداً مجلسي النواب والوزراء وتكريس معادلة التعطيل والتعطيل المقابل، أو تسيير الشؤون العامة مقابل تسهيل العمل في مؤسّستي مجلس النواب والحكومة. ورأت أن قبول مجلس النواب من جهة، والحكومة من جهة أخرى بالإحتكام إلى الشروط التي فرضها توازن القوى السياسية والكتل النيابية في المؤسّستين، يمثّل قبولاً من كل القيادات بما يشبه التسوية «الضرورية»، والتي تقضي على عدم تعطيل «التشريع النيابي» مقابل عدم عرقلة سير أعمال مجلس الوزراء من خلال فرض الشروط المتعلّقة بالتوافق والإطلاع المسبقين من كل الأطراف على جدول الأعمال، والإكتفاء بالحفاظ على آلية العمل الراهنة داخل الحكومة، ولكن من دون التوسّع في الملفات والتركيز على الضروري والملحّ منها، كما هي الحال بالنسبة لتشريع الضرورة الذي تتحدّث عنه أكثر من كتلة نيابية.
إلا أن انطلاق العمل، وبشكل مستقرّ بعيد عن التوتّر والإحتقان في الحكومة، وضعته هذه المصادر في سياق مواجهة أي جنوح نحو الفوضى، من خلال تعطيل عمل مجلس الوزراء وتقييده بالشروط «السياسية»، وليس القانونية على حدّ قولها. كما اعتبرت أن الفراغ في سدّة الرئاسة سيقود حتماً إلى فوضى، فيما لو انسحب هذا الفراغ على السلطتين التشريعية والتنفيذية. ولكنها استدركت موضحة أن التعايش أيضاً مع الفراغ أو مع الشغور الرئاسي، يعني أن إجراء الإنتخابات الرئاسية ما زال بعيد المنال، وأن هناك إرادة خارجية تحرّك الملفات الداخلية، وتدفع نحو استقرار الوضع السياسي وتمرير الوقت الضائع في المنطقة، بانتظار وضوح الحركة الجارية في العراق، والتي خرقت، وبشكل غير مسبوق، كل الإستعدادات العسكرية الرسمية العراقية. وأضافت أن الأزمة السورية لم تعد تتصدّر اهتمامات القوى الدولية والإقليمية بعدما طغت التطوّرات في العراق على مجمل المشهد الإقليمي، وضمناً الواقع اللبناني، معتبرة أن من شأن هذه الأحداث التغطية على ما يجري على ساحات أخرى في المنطقة، وذلك في إطار إعادة رسم خارطة النفوذ السياسي ولكن بالنار والبارود، وبدءاً من نقطة البداية أي العراق.
وإزاء هذه المعطيات، رأت المصادر النيابية المطّلعة، أن الإرادة الخارجية التي حرّكت في الساعات الماضية الإرادات الداخلية ودفعتها نحو الموافقة على «تسوية» مؤقّتة وضرورية على محوري مجلس النواب والحكومة، قد بدأت تهيئة المناخات الإقليمية لـ«الشرق الأوسط» الجديد الذي سبق وأن طوتها عملية الإنسحاب الأميركي من العراق، ولكنه عاد إلى الظهور مجدّداً على وجه مشروع تقسيمي وتفتيتي في بعض الدول القوية في المنطقة. وبانتظار نضوج التسوية الرئاسية في لبنان سيتأخر، وفي الوقت الفاصل عن موعد هذه التسوية ارتسمت هدنة مؤقّتة تؤمّن مساراً معقولاً للواقع السياسي الداخلي وتحمي الإستقرار.