التفاف داخلي حول السيسي.. ودعم خليجي وحضور غربي باهت
مصر تستعيد دولتها
أحمد علّام
دخلت مصر رسمياً يوم أمس عهد عبد الفتاح السيسي، الرئيس السادس للبلاد منذ قيام النظام الجمهوري في أعقاب «ثورة يوليو» التي اطاحت الملكية في العام 1952، وثاني رئيس منتخب منذ «ثورة 25 يناير» التي أسقطت نظام «الحزب الوطني» برئاسة حسني مبارك في العام 2011، والأول منذ «ثورة 30 يونيو» التي أسقطت نظام «الإخوان المسلمين» برئاسة محمد مرسي في العام 2013.
الرئيس المنتخب بـ96.91 في المئة من أصوات من شاركوا في الانتخابات، وهم بحسب الأرقام الرسمية 25 مليوناً و578 الفاً و223 ناخباً، أدى اليمين الرئاسي صباح، أمس، أمام قضاة المحكمة الدستورية العليا، ليتسلم بعدها منصبه الرئاسي من سلفه الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، في مراسم بروتوكولية غير مسبوقة في تاريخ مصر، شهدت تمثيلاً عربياً وإفريقياً رفيع المستوى، في مقابل تمثيل ديبلوماسي غربي باهت.
هو مشهد تاريخي بكل المقاييس، فهذه هي المرّة الأولى التي تشهد فيها مصر عملية تسليم وتسلّم بين رئيسين منذ قيام النظام الجمهوري، إذا ما استثنينا المراسم التي شهدتها البلاد في الرابع عشر من تشرين الأول العام 1981، حين تسلم نائب الرئيس حسني مبارك مقاليد الحكم من رئيس مجلس الشعب صوفي ابو طالب، الذي تولى الرئاسة لمدة ثمانية أيام بعد اغتيال الرئيس انور السادات. مع العلم بأن حدث الأمس كان مختلفاً، فالتسليم والتسلّم هو بين رئيس أتى بإرادة شعبية في الميدان، وبقي قرابة عام على رأس الدولة، وآخر بإرادة شعبية في صناديق الانتخابات، وقد شهد سابقة تمثّلت في توقيع الرئيسين السيسي ومنصور على وثيقة لانتقال السلطة، وهي صيغة معتمدة في العديد من دول العالم، لكنها أثارت جدلاً دستورياً وسياسياً بعد اعتمادها للمرة الاولى في مصر امس.
لكن الأهم في مشهد الأمس، تمثّل في المراسم الدستورية والبروتوكولية والاحتفالية الرسمية التي كرّست عودة قوية للدولة المصرية، التي التفّت بسلطتيها التنفيذية (حكومةً ومؤسسة رئاسة)، والقضائية (الجمعية العامة للمحكمة الدستورية) والأمنية والعسكرية (اجراءات امنية استثنائية)، حول السيسي، الوافد من المؤسسة العسكرية إلى اعلى هرم الدولة المركزية الأقدم على مر التاريخ، وذلك بدعم عربي لافت، خصوصاً من المملكة العربية السعودية، التي خصّ المشير / الرئيس ملكها عبد الله بن عبد العزيز بالتحية في أول خطاباته الرئاسية.
وليس من المبالغة القول إن ما جرى بالأمس كان استعراضاً لاستعادة الدولة المركزية هيبتها، في ظل الهزّات التفكيكية التي شهدتها اقطار عربية عدّة خلال السنوات الثلاث الماضية، وهو ما عبّر عنه المستشار عدلي منصور حين قال في خطاب تسليم السلطة إن «الدولة المصرية بشعبها القويّ ومؤسساتها العريقة برهنت أنها عصية على الانكسار، وأن مصر وما حباها الله به من نِعَم ٍ ومقومات، يأتي على رأسها شعبها الواعي الأبي، ستظل قادرة قاهرة. قادرة على تحقيق أمنها وأمن منطقتها العربية، وقاهرة لمن يريد لها الشر والسوء ويستهدف تفتيت منطقتنا وإعادة تشكيلها بما يخالف مصالحنا الوطنية والقومية».
وأدى السيسي، صباح، أمس، اليمين الدستورية رئيساً للجمهورية في مقر المحكمة الدستورية العليا في حي المعادي، وذلك في مراسم دستورية، حضرها أعضاء الجمعية العامة للمحكمة، على رأسهم رئيسها بالإنابة أنور العاصي، والرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، الذي كان رئيساً للمحكمة قبل تسلم مهامه الرئاسية بشكل مؤقت عقب عزل مرسي في الثالث من تموز الماضي.
بعدها توجه السيسى ومنصور إلى قصر الاتحادية في حي مصر الجديدة، شرق القاهرة ، لاستكمال مراسم تنصيب السيسي رئيسا جديدا للجمهورية، بمشاركة الوفود الدولية والعربية. التمثيل العربي – والخليجي على وجه الخصوص – في حفل التنصيب جاء قوياً، فقد شارك في الحفل ولي العهد السعودي الامير سلمان، وأمير الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح، وولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد، وملك البحرين حمد بن عيسى، وممثل شخصي عن سلطان قابوس، ناهيك عن رؤساء الوفود العرب الباقين، وأبرزهم ملك الاردن عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري.
وقال السيسي فى خطابه الأول من داخل قصر الاتحادية إن مصر ستعاود لعب دور فاعل إقليميا ودوليا، ومشددا على ان مصر المستقبل ستكون دولة قوية ديموقراطية عادلة.
ووجه السيسي خلال كلمته تقديرا خاصا لملك السعودية على مبادرته بالدعوة إلى عقد مؤتمر لأصدقاء مصر، داعياً الدول الشقيقة إلى التفاعل مع تلك المبادرة.
وكان الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز قد دعا، فور صدور نتائج الانتخابات المصرية الأسبوع الماضي، اصدقاء مصر الى الالتفاف حول السيسي، وحث المصريين على التنصل مما وصفه بـ«الفوضى الدخيلة» التي شهدتها المنطقة العربية خلال السنوات الثلاث الماضية، محذراً من أن «المساس بمصر يعد مساساً بالإسلام والعروبة وهو في الوقت ذاته مساس بالمملكة العربية السعودية»، في ما وصف بأنه اقوى رسالة دعم للسيسي حتى الآن.
وما من شك أن فوز السيسي أعطى دفعة للسعودية التي تابعت بهلع ما جرى في انتفاضات «الربيع العربي»، دفعت بـ«الإخوان المسلمين» إلى قمة السلطة في مصر. ولم تخف السعودية ارتياحها عندما عزل السيسي مرسي، وقدمت، إلى جانب الإمارات والكويت والبحرين، دعماً مالياً هائلاً لانعاش الاقتصاد المصري.
ويراهن السيسي على الدعم الخليجي لعهده، وهو ما عبّر عنه في معظم احاديثه التلفزيونية خلال الحملة الانتخابية.
وفي خطوة غير متوقعة، في ظل التوتر الذي تشهده العلاقات بين الدولتين، بعث كل من امير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس مجلس الوزراء القطري الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني ببرقيتي تهنئة للسيسي، أعربا فيها عن تهانيهما لمناسبة أدائه اليمين الدستورية.
كذلك، كان لافتاً حضور نائب وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان مراسم التنصيب. وكانت الرئاسة المصرية وجّهت الدعوة بالحضور إلى الرئيس حسن روحاني، وهو ما أثار الكثير من التأويلات. لكن مصادر ديبلوماسية حاولت التقليل من اهمية هذه الخطوة عبر الإشارة الى ان دعوة إيران تأتي في إطار رئاستها الدورية لمجموعة دول عدم الانحياز، في ما بدا رسالة طمأنة لدول الخليج من تقارب مصري – ايراني محتمل.
كذلك شهدت مراسم التسلم والتسليم حضوراً افريقياً لافتاً للاهتمام، سواء على مستوى الرؤساء ونواب الرؤساء ورؤساء الحكومة ووزاء الخارجية، في ما رآه البعض مؤشراً إلى ان تلك الدول تستعد لمرحلة جديدة تستعيد معها مصر دورها في العمق الإفريقي.
في المقابل، جاء التمثيل الغربى ضعيفا مقارنة بالحضور العربي. وشارك في حفل التنصيب رئيس أوروبي وحيد، هو رئيس قبرص اناستا سيادس، ونائب رئيس الوزراء اليوناني ايفانجليوس فينزيلوس، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، فيما حضر من الصين وزير الصناعة مايو وي، ومن روسيا رئيس البرلمان سيرغي ناريشكين، في حين اكتفت الولايات المتحدة بإيفاد مستشار وزير الخارجية ديفيد ثورن، في ما يعكس دعماً باهتاً من قبل الإدارة الأميركية للرئيس الجديد، بما قد ينعكس سلباً على العلاقات الثنائية في المستقبل.
وفي هذا الإطار، قال المحلل السياسي الدكتور مصطفى الفقي لـ«السفير» إن الحضور العربي والإفريقي وأيضاً الأوروبي لحفل تنصيب الرئيس، يؤكد أهمية مصر، ويصب في خانة قيمتها ودورها، مشيرا إلى أن الحضور العربي في حفل تنصيب السيسي ممتاز خاصة الخليجي منه.
في المقابل، قال الفقي إن «التمثيل الأميركي يحمل نوعا من السخافة، ولكنه اعتراف بشرعية السيسي»، لافتاً إلى ان مستوى هذا التمثيل «جاء مجاملة لبعض القوى الأخرى في المنطقة».
ولكن بعيداً عن المناورات الديبلوماسية تلك، فإن اهتمام السيسي، بعد تسلمه مقاليد الحكم سيشمل اولويات أكثر خطورة.
وابتداً من اليوم ستتجه الأنظار الى قصر القبة – الذي من المفترض أن يقيم فيه السيسي – لمعرفة الطريقة التي سيتعامل خلالها الرئيس الجديد مع الملفات الحساسة، سواء في الداخل او الخارج.
وعلى المستوى الداخلي، يواجه السيسي تحديات عدّة، أبرزها في الملف الأمني، لحاجته إلى حسم ميداني حقيقي وقوي سواء ضد المجموعات المتشددة في سيناء، أو ضد جماعة «الإخوان المسلمين» في باقي المحافظات، خصوصاً ان دخول السيسي القصر يتزامن مع بدء العد العكسي للانتخابات البرلمانية، التي تعد المرحلة الثالثة والأخيرة من «خريطة المستقبل».
ويصاحب هذا كله تطلع المصريين إلى حفاظ الدولة على الحريات وحمايتها لحقوق الإنسان.
ويضاف الى ذلك أيضاً الملف الاقتصادي، في ظل التراجع الخطير الذي يشهده الاقتصاد لجهة ارتفاع نسب التضخم والبطالة والفقر، في مقابل انخفاض احتياطي النقد الأجنبي، وتراجع قيمة الجنيه، وصولا إلى هروب الاستثمارات الأجنبية، وتدهور السياحة.
أما على المستوى الخارجي، فينتظر الرئيس ترميم العلاقات مع الخارج بعد مرورها بمنعطفات حادة إبان فترة حكم «الإخوان»، فضلاً عن مشكلة نقص المياه، واحتمالات الجفاف بعد إنهاء إثيوبيا مشروع «سد النهضة».