فيما استمرّ التوتّر على الحدود بقاعاً وجنوباً، والترقّب داخلياً بعد فشل المساعي حتى الآن في معالجة الملفات الخلافية، انشدَّت الأنظار إلى فيينا، بعد حديث واشنطن عن «ثغرات حقيقية» في الخطوط العريضة للاتّفاق النووي مع اقتراب موعده النهائي الأحد المقبل واقتراح طهران تمديد مهلة التفاوض، كذلك انشدَّت الأنظار إلى غزّة بعدما أُجهِضت مبادرة مصر لوقف النار برفض حركة «حماس» الشروط التي تضمّنتها، فواصلت إطلاق صواريخها على إسرائيل، التي استأنفَت غاراتها على القطاع، في حين أرجأ وزير الخارجية الأميركي جون كيري زيارته للقاهرة مُحذّراً من وجود «مخاطر كبيرة» لتصعيد أعمال العنف إلى درجةٍ تصبح معها خارجة عن أيّ سيطرة، بينما تحدّثت القناة الإسرائيلية العاشرة عن وساطة قطرية – تركية جديدة لوقفِ الحرب على غزّة.
في موازاة تطورات غزّة، توزّع المشهد الأمني في لبنان على جبهتي الجنوب والبقاع. ففي الجنوب، ساد التوتر الحذر مناطق صور التي كانت على مدى الايام الاخيرة مسرحاً لاعتداءات إسرائيلية، بعدما تكّرر إطلاق الصواريخ المشبوهة عليها، فاشتكت ضد لبنان الذي يحضّر بدوره شكوى احتجاجاً على اعتداءاتها المتكررة، في وقت أكّد الجيش الاستمرار في التفتيش والتقصّي عن الفاعلين، وإجراء التحقيقات اللازمة بالتنسيق مع قوات «اليونيفيل».
الأمم المتحدة
وإزاء هذه التطورات، أبدت الأمم المتحدة قلقها من التطورات التي شهدتها الجبهة الجنوبية، واعتبر منسّقها الخاص في لبنان ديريك بلامبلي «أنّ إطلاق الصواريخ والرد الاسرائيلي هي خروقات واضحة للـ 1701، وتهديد خطير للهدوء الذي كان سائداً في هذه المنطقة، وللاستقرار عموما». وناشدَ جميع الأطراف ممارسة «ضبط النفس والتعاون مع «اليونيفيل» في تطبيق هذا القرار لمنع أيّ تصعيد.
وأطلعَ بلامبلي رئيس الحكومة تمام سلام على المناقشات التي أجراها في نيويورك الأسبوع الماضي، وعلى مشاورات مجلس الأمن حول تطبيق القرار 1701، وأكّد أنّ المجلس «لا يزال متّحداً في دعمه سيادةَ لبنان وأمنَه واستقراره، وهناك إجماع على ضرورة حماية لبنان». ولفتَ الى «القلق المتصاعد» من استمرار الشغور في سدّة رئاسة الجمهورية.
البقاع
وفي البقاع، تركّزت الأنظار بقلق على العمليات العسكرية العنيفة الدائرة في الجرود الفاصلة بين الأراضي اللبنانية والسورية قبالة بلدتَي عرسال وبريتال والقرى والمزارع المقابلة لها، والتي استُخدِمت فيها مختلف أنواع الأسلحة المدفعية والصاروخية.
وأفادت المعلومات أنّ المعارك المستمرة بنحو متقطّع منذ أربعة أيام تصاعدت وتيرتها في الساعات الماضية، وتدخّل فيها سلاح الطيران السوري الذي استكشف المنطقة وقصفَ ما يمكن اعتباره مراكز محصّنة استولت عليها مجموعات سوريّة مسلحة، بعدما كانت مواقع مراقبة لـ»حزب الله» والجيش السوري، في عمليات عسكرية شنّتها مجموعات مسلّحة تزامُنا مع مكامن لوحدات من الحزب كانت في طريقها إلى المنطقة الوعرة.
وذكرت تقارير أمنية أنّ إغارة الطيران السوري أوقعَت عدداً من الجرحى بينهم سبعة مواطنين من عرسال كانوا يجنون موسم الكرز من مزارعهم في المنطقة عندما استهدفَتهم إحدى الطائرات بصاروخ أصابَ سيارة «بيك آب» تنقلهم ومواسمَهم.
حسمُ معركة القلمون
وأكّد مصدر قريب من «حزب الله» لـ«الجمهورية» أنّ معركة القلمون في مرحلتها الثانية على طول الخط الحدودي بين لبنان وسوريا أحرزَت تقدّماً كبيراً، وأنّ الحسم بات مسألة أيام».
ولفتَ المصدر إلى أنّ العملية العسكرية الواسعة التي بدأها الجيش السوري وقوّات الحزب منذ نحو شهر لتطهير الحدود والمناطق المتاخمة اتّخذت وتيرةً متسارعة منذ أيام، وأتاحت خطةُ السيطرة على المعابر الرئيسية التي يعتمد عليها المسلّحون لتأمين إمداداتهم اللوجستية والطبّية ونقل جرحاهم، إحكامَ الطوق عليهم وقطع أوصالهم من خلال الفصل بين جرود عرسال وجرود القلمون، بحيث بدأت وحدات الجيش السوري والحزب ملاحقة المسلّحين في المناطق الجردية والبساتين والأحراج، بالتوازي مع السيطرة على المعابر غير الشرعية في سلسلة جبال لبنان الشرقية، وخصوصاً الزمراني، مار طبيا، الروميات، الحمرة وميرا.
وعلى عكس ما صُوِّر في اليومين الماضيين من أنّ الحزب يتلقّى ضربات موجعة في القلمون، طمأنَ المصدر إلى «أنّ جبهة القلمون متماسكة وقوية، والجيش السوري يُحرز فيها تقدّماً كبيراً لجهة الأطراف الجنوبية لمزارع رنكوس التي باتت كلّها تحت السيطرة، كذلك جرود عسال الورد وصولاً إلى الطفيل».
وأضاف المصدر: «أمّا على الجانب اللبناني، فإنّ مقاتلي «حزب الله» يتقدّمون بنحوٍ كبير ويُحكمون سيطرتَهم على المعابر والتلال الإستراتيجية، حيث تدور مواجهات ضارية يتكبّد فيها المسلّحون خسائر جسيمة».
وكشف المصدر أنّ «حزب الله» بادرَ إلى هذه العملية الاستباقية المباغِتة على الحدود المتاخمة للقرى اللبنانية بعدما وصلته معلومات تؤكّد أنّ «جبهة النصرة» تُعِدّ لاجتياح بعض القرى الحدودية، وأشار إلى أنّه في المعركة التي شهدَتها الأيام الأخيرة سقطَ بعض الشهداء للحزب مقابل أكثر من خمسين قتيلاً في صفوف «النصرة». وقد استطاع الحزب أسرَ أعداد كبيرة من المسلحين.
لا جلسات
وعلى وقع اتّساع دائرة الخوف والقلق من تأثيرات التردّدات الأمنية على الساحة اللبنانية، واستمرار الشغور الرئاسي، وتعطّل العمل التشريعي وتعليق العمل الحكومي، لم تهدأ حركة الاتصالات الحكومية والنيابية سعياً إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء وأخرى تشريعية، لكن لا معطيات حتى الآن تشي بإمكان نجاح هذه الاتصالات في القريب العاجل.
برّي
وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره مساء أمس: «أنا حريص على عقد جلسة تشريعية قبل نهاية الشهر من أجل أن يقبض الموظفون رواتبَهم. وطبعاً أنا متمسّك بأن يُبحث في هذه الجلسة بدايةً، في مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب سواءٌ انتهى البحث بإقراره أم لا، فهو لا يحتاج الى اجتماع هيئة المكتب لأنه على جدول الأعمال، وإذا جاء الجواب إيجابياً (من كتلة «المستقبل» وحلفائها) على عقد الجلسة، نعقد اجتماعاً لهيئة مكتب المجلس ونقرّ جدول أعمال إضافي، وعندها يمكن عقد الجلسة الأسبوع المقبل قبيل انعقاد الجلسة المحدّدة لانتخاب رئيس للجمهورية أو بعدها».
وسُئل برّي، هل ستبقى الحكومة مجمّدة؟ فأجاب: «أرفض أن يتوقف عمل الحكومة للحظة واحدة، إذا كان البلد في مصيبة من جرّاء عدم انتخاب رئيس الجمهورية، فهل نُدخله في مصيبة أخرى بوقف عمل الحكومة ومجلس النواب.
وأكرّر أنّه على رغم كلّ شيء، لبنان امام فرصة بأنّه ما يزال أفضل من الدول المجاورة، وهذه الفرصة علينا أن نغتنمها بانتخاب رئيس للجمهورية وتفعيل عمل كلّ المؤسسات الدستورية». وسُئل أيضاً:» مَن المسؤول عن هذا الوضع؟ فأجاب: «كلّ الطبقة السياسية، وأنا منها».
سلام
ومِن جهته، قال رئيس الحكومة تمام سلام في إفطار دار الأيتام الإسلامية إنّ «المؤسسات الدستورية وُجدت لتعمل، لا لتتحوّل ساحات للتناحر المؤدّي الى العجز»، لافتاً إلى أنّ «حكومة المصلحة الوطنية تعمل على قاعدة التوافق السياسي الذي نأمل أن يستمر، لنتمكّن من المضيّ في تسيير شؤون الدولة، وسنواصل العمل على هذا الأساس، منطلقين من مبدأين أساسيّين: الأوّل عدم الاستسلام لواقع الشغور في موقع الرئاسة الأولى، والتعامل مع هذا الواقع في اعتباره حالة مؤقّتة وغير طبيعية، ولا يجوز أن تستمر تحت أيّ ذريعة من الذرائع. والثاني التمسّك بالدستور والتزام نصوصه الواضحة في كلّ ما يتعلق بدور مجلس الوزراء».
وناشدَ سلام القوى السياسية الخروجَ من «أسر الحسابات الضيّقة، وتغليب المصلحة الوطنية العليا على كلّ اعتبار»، داعياً إلى «الذهاب، اليوم قبل
الغد، إلى مجلس النواب لانتخاب رئيس جمهورية جديد وفق الآليات الواضحة التي نصَّ عليها الدستور، لأنّ أيّ تأخير في انتخاب رئيس للبلاد يعني، في ما يعني، عجزاً لقِوانا السياسية، وفشلاً لمؤسّساتنا الدستورية، فضلاً عن أنه يشكّل إساءةً لصورة لبنان، وضعفاً في بنيانه الوطني، وبالتالي في قدرته على معالجة التحدّيات الكبرى التي تواجهه».
وأكّد سلام» أنّ التضامن مع أهلنا في فلسطين، لا يكون باستجلاب الأذيّة المجانية لأهلنا في لبنان» مشيراً إلى أنّ الجيش والقوى الأمنية يقفون بالمرصاد لكلّ محاولات العبَث بأمنهم». وشدّد على أنّ الحكومة ملتزمة جميعَ القرارات الدولية التي ترعى الوضع في جنوب لبنان، خصوصاً القرار 1701 بكافّة مندرجاته.
الحريري يستعدّ لمبادرة
وفي هذه الأجواء، قالت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية» إنّ حركة المشاورات الكثيفة التي تشهدها جدّة بوجود الرئيس سعد الحريري فيها وأركان قيادة تيار «المستقبل» من بيروت وطرابلس شارفَت على وضع اللمسات الأخيرة على مبادرة سياسية لم تكتمل عناصرها بعد، يستعدّ الحريري لإطلاقها في خطاب الإفطار السنوي المركزي للتيار بعد غد الجمعة.
وأضافت أنّ المشاورات التي بدأها الحريري مع بعض مستشاريه منذ منتصف الأسبوع الماضي وشاركَ فيها النائبان السابقان غطاس خوري وباسم السبع اقتربت من إعداد مبادرة سياسية تتناول الوضع العام في البلاد وطرابلس في آن.
وذكرت المصادر أنّ اللقاءات التي جمعت الحريري برئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة ومدير مكتبه نادر الحريري شجّعَته على المضيّ في المبادرة والسعي إلى بلوَرة أفكارها بدقّة في ضوء الأجواء التي نقلَها نادر إليه حول نتائج مشاوراته مع حركة «أمل» عبر المعاون السياسي لبرّي وزير المال علي حسن خليل، وما انتهت إليه مبدئياً المشاورات السابقة مع «التيار الوطني الحر» التي أدّت إلى بلوَرة الفكرة بنحوٍ أوضح، وتقرَّر الغوص في تفاصيلها».
ولأنّ الحوار أدّى إلى توسيع المبادرة لتشمل الوضع المأزوم في طرابلس، فقد تقرّر أن ينضمّ الى القريبين من الحريري في جدّة كلّ من وزير العدل اللواء أشرف ريفي والنائبان سمير الجسر وأحمد كبارة، للبحث في ما يمكن تسميته «تفاصيل طرابلسية» تتّصل بما استجدّ في ملفات المدينة، السياسية والأمنية والإنمائية، في ضوء الخطة الجديدة الجاري تنفيذها.
ولفتَت المصادر إلى أنّ ما يجري على الحدود اللبنانية ـ السورية في أقصى الشمال وفي البقاع الشمالي من مواجهات لبنانية وسوريّة فرَض إضافة أساسية على الخطاب – المبادرة.
وإذ تكتّمَت المصادر على المبادرة وعناوينها، قالت إنّها ما زالت قيد الدرس والبحث، وإنّ هناك جوانب تحتاج إلى اتصالات عاجلة كُلّف القيام بها النائب السابق غطاس خوري الذي من المقرّر أن يكون قد عاد ليل أمس الى بيروت لإجراء بعض الإتصالات قبل نهار الجمعة المقبل ونقلِ نتائجها الى جدّة التي سيُلقي الحريري منها خطابه المتلفز الذي سيُبَثّ في الإفطار المركزي في «البيال» وفي إفطارات المحافظات كافّة في وقت واحد.
«المستقبل»
في هذا الوقت، أعلنَت كتلة «المستقبل» النيابية أنّها على استعداد للمشاركة في أيّ جلسة تشريعية تتّصل بقضايا ضرورية من أجل إقرارها، مثل مناقشة الموازنة العامة، أو في شأن إصدار سندات الخزينة، أو سلسلة الرتب والرواتب حين تتحقّق العدالة بين مختلف القطاعات المستفيدة من السلسلة، من جهة أولى، وكذلك الملاءَمة والتوازن الفعلي بين الواردات المرتقبة وحجم الإنفاق من جهة ثانية. وأشارت إلى أنّ الاستمرار في دفع الرواتب للموظفين هو واجب وزير المال ومسؤوليته، وهو أمر محسوم ويمكن السير به».
مصادر نيابية
وعلّقت مصادر نيابية بارزة على بيان كتلة «المستقبل» لجهةِ موضوع الجلسة التشريعية، فاعتبرَته «جواباً سلبياً حتى الآن»، وقالت إنّ «البيان يعكس موقفاً سلبياً لا يلبّي المواضيع الثلاثة التي ستُدرَج على جدول أعمال الجلسة، وإنّما يؤيّد فقط موضوع إصدار السندات باليوروبوند».
وزير المال
وقال وزير المال لـ«الجمهورية»: «لا أزال عند موقفي، لا اتّفاق من دون قانون، والأمر برسمِ مجلس النواب والكتل النيابية، ولا حلّ خارج جلسة تشريعية في مجلس النوّاب تقرّ فتح اعتماد، موقفي نهائي ولا عودة عنه».
ومن جهتها نفَت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» أن يكون هناك مخرج يقضي بتوقيع وزير المال بالوكالة ألان حكيم، وأكّدت «أن لا أحد في وارد هذا الأمر، وهو غير مطروح أساساً». وقالت «إنّ القضية برُمّتها عند وزير المال».
مخرج؟!
وكانت قد تحدّثت معلومات عن مخرج لبَتِّ موضوع رواتب موظفي القطاع العام، في حال عدم انعقاد الجلسة التشريعية غداً الخميس، ويقضي بتوقيع حكيم، لغياب الوزير الأصيل، فتحَ الاعتمادات وسلفات الخزينة. وعلمت «الجمهورية» أنّ حكيم لم يتبلّغ شيئاً عن هذا المخرج، وأنّه في حال كان الطرح جدّياً سيعمد إلى درسه قانونياً وسياسياً قبل إبداء الرأي واتّخاذ القرار المناسب في شأنه.