بعد عشرة أشهر، وعشرة أيام، من المماحكات وشد الحبال، والشروط والشروط المضادة، والتلويح بين الحين والآخر بقلب النظام أو الانقلاب عليه، فجأة تغيّر كل شيء، وتبدّلت المواقف فأصبح الرئيس سلام غير محسوب على أحد بعدما حسبوه على 14 آذار وأصبح الثلث المعطِّل كلاماً من الماضي سُحب من التداول وقد أصبح خارج المكان والزمان، أما ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة فهي مرحّلة الى البيان الوزاري الكفيل بتجاوز كل المستحيلات ما دام حل التوافق على إخراج الحكومة من دوامة الشروط والشروط المضادة بسحر ساحر وإرادة أقوى من كل الإرادات الداخلية.
وما دام الأمر كذلك، و لا يوجد مستحيلات في هذا البلد، وكل شيء خاضع للمراجعة، والتبديل والتغيير عندما تأتي كلمة السر من الخارج الدولي أو الإقليمي فلماذا الخوف على الانتخابات الرئاسية بل لماذا الخوف من الوقوع في الفراغ أو الشغور في هذا الموقع الأول في الدولة والباقي للمسيحيين وللموارنة منهم تحديداً وخسارة المسيحيين آخر موقع لهم في هذا الشرق الحافل بالاضطرابات والتغييرات، ألا يصح القول بأن الوحي الذي نزل على القيادات السياسية فجأة، وحل عقدة، بل عقد تشكيل الحكومة السلامية بعد عشرة أشهر وعشرة أيام من المشاحنات والمناكفات، هو نفسه سينزل عليها قبل حلول الخامس والعشرين من الشهر الجاري، ويزيل من الطريق كل العوائق والسدود التي تحول دون حصول هذا الاستحقاق في موعده، وإخراج البلاد من أزمتها الوطنية التي تبدو الأن مستعصية على الحل في ظل استمرار الانقسام العمودي بين فريقين متساويين تقريباً، ويرفض كل فريق تقديم أي تنازلات للفريق الآخر أو من أجل تسهيل الحل والخروج من هذه الأزمة التي يهدد بقاؤها بعواقب وخيمة، ليس على الاستقرار الأمني الذي تجلى بعد الاتفاق على تشكيل الحكومة بل على الجمهورية نفسها وفق التعبير الذي استخدمه رئيس حزب الكتائب الشيخ أمين الجميّل وأطلق من الصيفي صرخة قوية لإنقاذ هذه الجمهورية من السقوط أو الضياع في حال حصل الشغور في موقع رئاسة الجمهورية بسبب المواقف المتعارضة وتشبّث كل فريق بمواقفه، ويرفض مد اليد الى الآخر من أجل البحث عن مخرج لهذه الأزمة.
وإذا كان الوحي الذي أدى الى حلحلة كل العقد من طريق الحكومة السلامية حتى أبصرت النور لم ينزل بعد على الأفرقاء السياسيين ليقدموا على الخروج من هذه الأزمة، فإن ثمة مؤشرات بدأت تلوح في الأفق مصحوبة ببداية تحرك خارجي وإيحاءات تبشّر بقرب نزول هذا الوحي على الجميع بحيث لا يبقى هناك أي سبب لبقاء الأزمة وتحمل تداعياتها الخطيرة على الدولة والكيان، وهو شبيه بالتحرك الدولي والإقليمي الذي سبق الاتفاق على إخراج الأزمة الحكومية من عنق الزجاجة وقبول الفريقين بالعودة الى منطق الدستور والالتزام بمقتضياته من دون تراجع، لأن التراجع في مثل هذه الحالة ممنوع، كما أن الخروج على كلمة السر الخارجية غير مسموح كما تجلى في الأزمة الحكومية السابقة.
ما زال أمام اللبنانيين أسبوعين قبل انتهاء المهلة الدستورية ودخول البلاد في الفراغ، وبالتالي لا يزال الأمل قائماً في أن ينزل الوحي على الجميع، وتحل فجأة عقدة الانتخابات الرئاسية التي تتحكم بمواقف الطرفين وتحول دون الخروج من هذه الأزمة، ويخرج من المجهول رئيساً جديداً للجمهورية وفاقياً أو توافقياً أو لا طعم ولا لون ولا رائحة له، لا فرق لأن الأهم هو الخروج من هذه الأزمة الوطنية بل حصول المعجزة التي تنذر في حال استمرارها بعواقب وخيمة على الجميع.