IMLebanon

معركة أهل الإعتدال

ما تعيشه المنطقة أخطر بكثير من حرب افغانستان. وفيتنام. والحرب العراقية – الايرانية. والانفجار اليوغوسلافي. ومذبحة رواندا. عاصفة سوداء مدمرة تضرب المنطقة. تمزق الخرائط. والحدود الدولية. تفتت الدولة المركزية. وتضيف الى وطأة الجيوش القديمة جيوشاً مذهبية صغيرة فاعلة ومتحركة. وتهجر ملايين الاشخاص. وتقتلع أقليات من جذورها. حروب أهلية عابرة للحدود. وفراغ يملأه محاربون قساة تدفقوا من الكهوف. رؤوس مقطوعة. وجثث مجهولة الهوية. ومدن مطحونة. ذباحون بلا رادع او وازع. ومستبيحون بلا رادع او وازع.

لسنا في الطريق الى الكارثة. اننا نتخبط فيها. وهي تنذر بالمزيد من الضحايا. والتشرذم. والفقر. والارهاب. وممارسات الابادة. يكفي ان نتذكر مشهد العالقين في جبل سنجار هرباً من ممارسات «داعش». مشهد الطائرات الاميركية تلقي لهم الاغذية والماء كي لا يموتوا جوعاً وعطشاً. وان ذلك يجري في العراق العائم على النفط. هكذا نتحول مأساة لانفسنا. ومأساة للعالم ايضاً. نحتفل بمغادرة المحتل ثم نتوسل اليه بعد سنوات ان يسعفنا بغاراته او غالونات المياه.

ذباحون ومستبيحون. خطف الظلاميون مساجد ومحافظات. خطفوا ثورات. وها هم يؤسسون لليل طويل هائل. خطف متطرفون القرار في اكثر من مكان. ساعدت شراهتهم في تمهيد الطريق للظلاميين. انه الفشل الصارخ. لمشروع بناء الدولة. للقاء في مؤسساتها وفي ظل القانون. انه فشل المدارس والجامعات وما هو أبعد.

اننا في الهاوية. لكننا ايضاً على مفترق طرق. نفتح نافذة للخروج او نعمق انزلاقنا الى هاوية جديدة. لهذا ترتدي المعركة طابعاً مصيرياً. يسترجع اهل الاعتدال المبادرة او تنزلق المنطقة الى الجحيم لسنوات او عقود. انها معركة كل بلد. وكل مدينة. وكل جامعة. وكل مؤسسة دينية. وكل منزل. لا بد من فضح الظلام وتحصين الناس ضد اغراءاته وأحابيله. لا بد من انهاء كل التباس او غموض او تبرير.

كان باراك اوباما شديد الوضوح في حديثه الى توماس فريدمان. قال ما فحواه اننا لا نعمل في خدمتكم. واننا لسنا قوة للايجار مهمتها تغطية اخطائكم وارتكاباتكم. لسنا سلاح جو للشيعة او الاكراد. أصلحوا خرائب دولكم لنساعدكم. ابتعدوا عن منطق المنتصر والمهزوم. لا مجال في البلدان ذات التركيبة المتعددة لمنطق الحد الاقصى. الحل هو اللقاء في منتصف الطريق. في كنف الدولة ومؤسساتها.

لا يمكن انقاذ المنطقة من الخارج. تستطيع اميركا تقليم اظافر «داعش» او بتر اصابعها. اهل المنطقة وحدهم يستطيعون اذا رسخوا منطق الاعتدال ان يمنعوا ولادة «داعش» وأخواتها. انها مسؤولية الدول الرئيسية في المنطقة.

افكر هنا بالقمة السعودية-المصرية. اننا نتحدث عن بلدين يتمتعان بثقل عربي واسلامي ودولي. عن بلدين لا يمكن خوض معركة الاستقرار والاعتدال من دون ان يضطلعا بدور قيادي فيها. تعرف السعودية انها مستهدفة من الظلاميين والمتطرفين ومن الانقلابيين في الاقليم. تعرف مصر انها مستهدفة في استقرارها ودورها وان النار مشتعلة قرب حدودها وتطل داخل اراضيها.

في سياق معركة الاستقرار والاعتدال يمكن فهم مواقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من الاحداث التي عصفت بمصر. وفي اطار معركة الاعتدال يمكن فهم رسائله الاخيرة الى العلماء والمواطنين. وفي هذا السياق جاءت مسارعته الى تقديم بليون دولار هبة للجيش اللبناني لمساعدته على دحر الارهاب الذي حاول التحصن في بلدة عرسال. وتحت راية الاعتدال ودعم المؤسسة العسكرية في وجه الارهاب وضع الرئيس سعد الحريري عودته الى لبنان.

الخروج من الهاوية ممكن اذا تم التسليم بإحلال مبدأ الشراكة مكان مبدأ الشراهة. وهذا يصدق على المجموعات والدول معاً. الشراهة حاضنة التطرف. الشراهة في الانتصار والاستئثار. والشراهة في الثأر ورفض المتغيرات. والشراهة في فرض الزي الموحد واقتلاع الأقليات.

ليس للشيعة العراقيين مكان اكثر اماناً من عراق مستقر مهما بلغ دفء تحالفاتهم خارجه. هذا يصدق ايضاً على السنة. والاكراد. وليس للعلويين في سورية مكان اكثر اماناً من سورية مستقرة مهما بلغ دفء تحالفاتهم خارجها. وهذا يصدق ايضاً على السنة والاكراد. وليس للشيعة اللبنانيين مكان اكثر اماناً من لبنان مهما بلغ دفء تحالفاتهم خارج الحدود. وهذا يصدق ايضاً على السنة. وعلى الموارنة الاسهام جدياً في احلال الشراكة مكان الشراهة كي لا يتجمعوا ذات يوم في بعض جبل لبنان كما تجمع الايزيديون في جبل سنجار. وعلى ايران ان تعيد تقويم حساباتها. فثمة من يعتقد ان من بين اسباب ظهور «داعش» الاحساس ان طهران ذهبت بعيداً في الامساك بمفاتيح القرار في عاصمة العباسيين وعاصمة الامويين فضلاً عن بيروت. تستطيع ايران الخروج من الاستنزاف الذي تتعرض له في الهلال اذا قدمت حسابات الشراكة على اسلوب الشراهة.

الخيار واضح وجلي. اما العودة الى الاعتدال والخرائط ومنطق الشراكة ومنتصف الطريق واما الغرق في الهاوية والسباحة في بحر الظلام.