لم يحجب صوت المعارك العنيفة الدائرة بين حزب الله ومسلّحي المعارضة السورية عند سلسلة جبال لبنان الشرقية المتاخمة للحدود السورية، تضارب المعلومات حول السياق الميداني لمعركة «القلمون الثانية»، وجديد هذه المعارك بحسب مصادر في 8 آذار، عملية عسكرية ضخمة بدأها حزب الله ليل الخميس – الجمعة، مع دخول قوة كبيرة من الحزب، المعركة من الاراضي السورية، بعد سيطرة الحزب السابقة على جرود نحلة وغيرها من البلدات البقاعية الواقعة جنوب عرسال، وبذلك يصبح مسلحو جرود عرسال محاصرين بين الحزب والجيش اللبناني، حيث تكشف المصادر ان المعارك الجارية تركز على المحور الشرقي لتل موسى وسط عمليات قصف مدفعي وغارات جوية مكثفة استعدادا للسيطرة على التل المذكور لما يتمتع به من أهمية إستراتيجية لاشرافه على جرود عرسال ويمكن من خلاله رصد تحركات المسلحين، وفصل هذه الجرود عن الاراضي السورية، حماية للقرى ومنعا لإطلاق الصواريخ واجتثاث التهديد وإنهاء ظاهرة التكفيريين في كل جرود لبنان،خصوصا بعد دخول «داعش» على خط القتال الدائر.
فالمواجهات المباشرة لاول مرة بين «داعش» والحزب تؤكد المصادر انها اتت بعد نجاح امير القلمون «أبو حسن الفلسطيني»، المعروف بين السوريين بـ«أبو حسن اللبناني» لكونه قضى فترة غير قصيرة في لبنان، بأن يأخذ بيعة ثلاثة فصائل أساسية في القلمون، ووجود قوة لا يُستهان بها توازي «النصرة»، على الأقل عددياً، إن لم تكن كذلك في المهارات العسكرية. فقد استطاعت داعش انتزاع بيعة أكثر من مجموعة مسلّحة أساسية، من لواء «فجر الإسلام»، الذي تعدّ عناصره حوالى 500 مسلّح، كذلك «كتيبة بلال الحبشي» التي يقودها السوري رعد حمادي ، فضلا عن مفاوضات جارية لضم «كتيبة الفاروق» بقيادة أبو عمر وردان إلى «الدولة الإسلامية»، علماً بأن معظم عناصرها يتحصنون في وادي ميرة.
المصادر اشارت الى نجاح حزب الله في السيطرة على عدد من التلال والمرتفعات الاستراتيجية في حرب الكر والفر الدائرة، لا سيما «قرن الصياد سلامة» و«قرن شعبة الحمراء»، المتحكمان بمعبرين غير شرعيين يربطان فليطا ببلدة عرسال، وأن المعارك تتركز حاليا في المعرة والبحصاص وعنيفق، لافتة الى ان هدف المعركة الحالية حماية ظهير المقاومة البقاعي من جهة ،وفصل جرود القلمون امتدادا الى الشمال اللبناني وصولا الى حمص عن ريف دمشق ودرعا وصولاً إلى الحدود مع الأردن، عبر الزبداني، من جهة ثانية.
وأعربت المصادر عن خشيتها من أن تكون بعض التجمعات والمخيمات السورية في جرد عرسال، قد تحولت قواعد للمسلحين أو منطلقاً لهم للتحرك في اتجاه الاراضي السورية شرقاً واللبنانية غرباً. حيث هناك آلاف الحصص الغذائية تتحرك يومياً بين عرسال وجردها ، فضلاً عن رصد تواصل عبر معابر لم تضبط حتى الآن بين مسلحين وعائلاتهم في التجمعات نفسها.
هذا الواقع فرض على الدولة اللبنانية التحرك عبر فرض خططها الامنية ، التي اثبتت حتى الساعة عدم فاعليتها ، وسط معلومات عن سعي جهات سلفية لتحقيق اللحمة بين الشمال والبقاع الغربي،بحسب مصادر متابعة ، ما اوجب تعاوناً على مستوى عال بين القوى الامنية وحزب الله ،توج باجتماعات امنية عقدت بين الطرفين لايجاد صيغة تعاون مشتركة في منطقة القلمون، مؤكدة وجود بنك أهداف لدى الجيش، وهو مزوّد بمعلومات دقيقة عن أمكنة وجود المسلحين ويملك دبابات ومدافع مناسبة للتعامل مع الوضع دون الالتحام المباشر مع المسلحين.
الا ان اهمية المعركة الجديدة الممتدة من جرود بعلبك الى جرود عرسال، تكمن في طابعها الخطر لملامستها الحساسية اللبنانية المتمثلة برمزية بلدة عرسال السنية المؤيدة للثورة السورية، في بحر شيعي داعم للنظام، ما يثير المخاوف من تطاير شظايا المعارك الدائرة في اتجاه الداخل اللبناني، حيث تخشى مصادر الرابع عشر من آذار تحويل حزب الله لمشاركته في الحكومة مع تيار المستقبل غطاء لاي عملية قد ينفذها ضد البلدة، كاشفة عن اتصالات تجري مع قيادة الجيش لمنع حصول ذلك، مشددة على اهمية الاجراءات التي يقوم الجيش والتي هدفها الاساسي حماية عرسال من اي خطوة غير محسوبة قد يقدم عليها البعض.
غير أنّ علامة الاستفهام المطروحة بقوة تضيف مصادر 14 آذار تتمحور حول ما إذا كان توقيت الأحداث الأمنية مرتبطًا بالاستحقاق الرئاسي أو أنه مجرّد صدفة، سيما أنّ الوضع قائم منذ حوالى الشهر من دون متغيّرات دراماتيكية، أي أنّ الأمور محكومة بسلسلة من العوامل الخارجية والاقليمية المؤثرة بحيث تكمن المخاوف من ان تكون جبهة عرسال قد فتحت فعلا ولم تعد قابلة لاستقبال أيّ خطة أمنية في ظل غياب المرجعية السياسية الداخلية القادرة على ضبط الإيقاع،ما يضع حزب الله امام استحقاقين بحسب المصادر نفسها إما فتح معركة عرسال وإقتحامها، مع ما سيجره ذلك من انفجار للفتنة السنية – الشيعية وتعرض الجيش لهزة كبيرة، او تركها على ما هي عليه، ما يعني عمليا حرب استنزاف وعصابات لا قدرة للحزب على تحملها، وفي الحالتين فإن ارتدادات أي من الخطوتين ستكون سلبية عليه.
في المحصلة، لا تزال مخاطر حصول أي تطور مفاجىء في منطقة البقاع الشمالي قائمة، ولكن هل تنجح القوى الفاعلة في تطويق ذلك سريعاً، لا سيما أن الأشهر الأخيرة أكدت أن هناك من يريد اللعب على الوتر المذهبي في هذه المنطقة؟