يؤكد قطب سياسي انّ المعركة التي يخوضها الجيش في عرسال ضد الجماعات التكفيرية الوافدة من سوريا الى البلدة والبيئة الحاضنة لها، تدفع الجميع الى تحمّل مسؤولياتهم إزاء مصير البلاد ومستقبلها، وتجعل مواقفهم من هذه الجماعات محكومة بمَقولة «بحبّك يا سواري ولكن ليس بمقدار محبّتي لزندي».
مَن يراقب تطور مواقف بعض الافرقاء السياسيين وتقلّبها منذ اليوم الاول لهذه المواجهات وحتى اليوم، يكتشف انّ الذين أيّدوا «داعش» أو ظنّوا أنها تشكّل «صمّام أمان» لهم او المدافع عنهم في مواجهة الآخرين، باتوا على النقيض من هذا التأييد مُتحَسّسين مخاطر هذه الجماعة التكفيرية وأخواتها على لبنان وعلى الجميع بلا استثناء، ومكتشفين انّ لدى هذه الجماعة مشروعها السياسي والديني الخاص بها الذي يُلغي الآخر أو لا يعترف به ويكفّره أيّاً كان مذهبه أو دينه.
ولذلك، لا يستبعد هذا القطب السياسي ان تفتح معركة استعادة عرسال من أيدي المجموعات المسلحة التكفيرية الباب أمام تقارب فعلي بين الافرقاء السياسيين من البوّابة الامنية بما يفضي عاجلاً او آجلاً الى انجاز الاستحقاقات الدستورية الماثلة وتنشيط عمل المؤسسات لتمكين لبنان من تجاوز تداعيات الاحداث الاقليمية.
وفيما يردّد البعض احتمال أن تدفع معركة تخليص عرسال من براثن التكفيريّين الى استعجال التوافق على انجاز الاستحقاق الرئاسي، مشيراً الى انّ قول رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط إنّ دخول «داعش» الى لبنان لم يكن سببه، كما يقول البعض، قتال «حزب الله» في سوريا، انما يشكّل انقلاباً إستراتيجياً في موقف جنبلاط أملَته معطيات متينة وصلبة توافرت لديه عن مشروع «الداعشيّين» الهادف الى تفجير الساحة الداخلية اللبنانية بعد سوريا والعراق بنزاعات طائفية ومذهبية، خصوصاً أنّ هؤلاء يعتبرون انّ لبنان هو جزء من «الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام» التي يرفعون شعارها.
ويشير القطب السياسي نفسه الى أنه اذا كان البعض، خصوصاً في تيار «المستقبل» وبعض الاحزاب والمجموعات الاسلامية الحليفة له يعتقدون انّ تنظيم «داعش» يشكّل حاضناً او حليفاً لهم بالمعنَيين السياسي والمذهبي، فإنّ ممارسات «الداعشيّين» في عرسال أظهرت عكس ذلك، بدليل انّ مجموعاتهم المسلحة استهدفت الجميع، حتى أبناء البلدة الذين شكّلوا لها بيئة حاضنة منذ اندلاع الازمة السورية، وقد قتلت هذه المجموعات عدداً من العراسلة الذين ثاروا على ممارساتها أو وقفوا الى جانب الجيش في تصَدّيه لها، وسقط منهم شهداء.
ويرى القطب السياسي انّ معركة عرسال يجب أن تجذب الجميع الى جادة الدفاع عن لبنان لأنّ المسألة في رأي رئيس مجلس النواب لم تعد مسألة رئاسة أو نيابة أو نزاع سياسي بين فريقين سياسيين، وانما باتت مسألة مصير وطن، بمعنى انّ مصير لبنان بات هو المهدّد بما يجري في الدرجة الاولى، وانّ على الجميع ان يختاروا بين الحفاظ على الوطن وبين «نصرة» الجماعات التكفيرية، خصوصاً اولئك الذين اعتقدوا، او يعتقدون، أنّ هذه الجماعات يمكن ان تشكّل عنصراً داعماً لمشاريعهم السياسية ومؤآزراً لهم في معاركهم ضد خصومهم.
وفي هذا السياق يؤكد القطب السياسي أنّ عنوان المعركة التي يخوضها الجيش ببسالة في عرسال هو معركة منع «داعش» واخواتها من التمدد الى لبنان على غرار تمدّدها في بعض المناطق السورية والعراقية بما يجعل الساحة اللبنانية جزءاً من مناطق النفوذ الداعشي في سوريا والعراق.
ويعتبر القطب نفسه انّ المواقف التي أطلقها قائد الجيش العماد جان قهوجي، على أهميتها، إنما تنطوي على خطورة كبيرة، خصوصاً لجهة تحذيره من تكرار ما يحصل في عرسال في مناطق لبنانية اخرى، ولا سيما منها تلك التي يُقيم فيه عشرات بل مئات الآلاف من النازحين السوريين الذين يوجد بين صفوفهم جماعات تنتمي الى «داعش» و»جبهة النصرة» وكل فصائل المعارضة السورية، اذ انّ مثل هذه الاحداث اذا وقعت فإنها قد تفجّر لبنان من الداخل بعنف هذه المرة وتغرقه في حروب داخلية مذهبية وطائفية لا تُبقي ولا تذر.
وفي رأي القطب السياسي إيّاه انّ المواقف الداعمة للجيش والمنددة بالجماعات التكفيرية التي عبّر عنها الجميع ولا سيما منهم الرئيس سعد الحريري وغيره ممّن تماهوا غالباً في الموقف مع هذه الجماعات على اختلافها الموجودة في لبنان وسوريا والمنطقة، من شأنها أن تؤسس لتلاقٍ فعلي بين فريقي 8 و14 آذار وما بينهما، ليتعاونَ الجميع على انجاز انتخابات رئاسة الجمهورية، وكذلك انجاز استحقاق الانتخابات النيابية بانتخاب مجلس جديد او تمديد ولايته لبضعة اشهر الى حين انتخاب رئيس جمهورية جديد وإقرار قانون انتخابي يحقق صحّة التمثيل الشعبي للبنانيّين في مجلس النواب.
ويتحدث البعض في هذا السياق عن احتمال توَصّل الافرقاء السياسيين الى صفقة مزدوجة تزاوج بين انتخاب رئيس جمهورية جديد وتمديد ولاية مجلس النواب حتى حزيران 2015.
لكنّ بعض السياسيين المتشائمين يتمنون ان يكون ما حصل في عرسال «ورطة لا خطة»، لأنّ الورطة يمكن الخروج منها، امّا اذا كانت خطة تتصِل في غاياتها مع خطوط النزاع الدائر في سوريا والعراق وجغرافيته من الموصل الى عرسال مروراً بسوريا، فذلك يعني انّ لبنان امام مرحلة جديدة وخطيرة لا يمكن للرغبات أو التمنيات أن تنفع معها لأنّ ليس لدى البلاد المناعة الداخلية لمواجهة هذه الخطة.
وعلى رغم كلّ هذه التطورات فإنّ القطب السياسي نفسه يؤكد انّ انجاز الاستحقاق الرئاسي ما يزال متأخراً في الحد الادنى حتى أواخر ايلول ومطلع تشرين الاول المقبل وقبل البَتّ بالاستحقاق النيابي انتخاباً أو تمديداً.