IMLebanon

معنويات الرابية عالية: لا عون = لا رئيس

 

لن يعلن رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون انسحابه من السباق الرئاسي، لا اليوم ولا غداً. ولن يرمي الوزير جبران باسيل الإسفنجة وينزل عن حلبة الملاكمة. هذا كله غير وارد. ليس الرئيس سعد الحريري من يؤثر في معنويات الرابية: لا عون = لا رئيس

غسان سعود

قبل بضعة أيام، كان الوزير الياس أبو صعب يعدّد، في عشاء دعا إليه النائب آلان عون بعض أصدقائه، ما وصفه بـ «أدلة التسوية» التي ستتوّج بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً وعودة النائب سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة. من «الأدلة»: التشكيل العاجل للحكومة والبيان الوزاري، خطة طرابلس الأمنية، سلة التعيينات، والتقارب العوني ــ المستقبلي في شأن سلسلة الرتب والرواتب. وأبو صعب أكثر واقعية ممن جعلوا تسريبة في صحيفة سعودية أساساً لتحليلهم. الرابية، عموماً، أخذت تشكك في نوايا الجازمين بعدم وجود أرضية حقيقية لكل هذا التفاؤل.

تعامت، عبر مبررات مختلفة، عن كل «العقص» الحريريّ. ثمة من أقنع الجنرال بأن وجوده في بعبدا حاجة أميركية، وأن الأميركيين سيتكفلون بمحو ما علق في الذاكرة الخليجية من مواقف عونية.
لكن العائدين من السعودية، وليس الوزير وائل أبو فاعور وحده من زار المملكة هذا الأسبوع، يؤكدون أن العونيين يحمّلون الاتفاق اللبناني ــــ اللبناني أكثر بكثير مما تحتمل الأوضاع الإقليمية. ليست المنطقة في شهر عسل، ولا السعودية روميو وإيران جولييت. يشرح أحد الموثوق فيهم أن ما تشهده المملكة من إعادة ترتيب للبيت الداخلي هو تمهيد لاستعادة المبادرة، لا إفلاتها بالكامل. وفي حسابات السعودية، أن فوز الحريري برئاسة مجلس الوزراء حق مشروع سُلب منه، لا تجوز مقايضته عليه الآن برئاسة جمهورية أو غيره، بعكس سلاح حزب الله. أما الملفات العالقة بين الرياض وطهران فكثيرة ومعروفة، آخرها لبنان. لا يمكن أن تعطي المملكة، هنا، رئاسة الجمهورية لحليف حزب الله الوثيق من دون أن تأخذ في المقابل، ولو في مكان آخر. ولا أحد، في المقابل، يصدّق أن الإيرانيين يمكن أن يضحوا بنفوذهم في الخليج والعراق وسوريا مقابل رئاسة الجمهورية اللبنانية. مع العلم أن السعوديين، بحسب المصدر نفسه دائماً، في معرض الذم بالأميركيين وانتقاد سياستهم لا تنفيذ أوامرهم من دون اعتراض. وهم لم يدخلوا في مفاوضات جدية من أي نوع كان مع الإيرانيين. ولا يوحي جدول الأعمال السعودي في سوريا بوجود نية للاستسلام. وعليه، لم يكن ما حصل لبنانياً أكثر من تقاطع أمني بين مصلحة حزب الله والمصلحة الأميركية ــــ السعودية بمحاربة الإرهاب. وهذا ــــ وهنا المفارقة ــــ ما يكرر المطلعون من شباّك حزب الله على العلاقات الإيرانية ــــ السعودية قوله، ولا يصدقهم أحد بما في ذلك الرابية وعين التينة.

على ١٤ آذار إعطاء
عون ما يريد أو أن تقترح على ٨ آذار من يمكنها الإعتذار معه من الجنرال

لعل الحريري لم يقل لضيفيه العونيين، أول من أمس، كل ما سبق، أو بعضه حتى. الوزير جبران باسيل رأى في الساعات الخمس بداية حوار، علماً أن الحوارات اللبنانية لا تنتهي غالباً. ولعل «المراقبين المتابعين للقاء الباريسي» الذين اتكلت عليهم قناة المستقبل أول من أمس، كانوا الأكثر صراحة في التعبير عن خلاصة الساعات الخمس، بقولهم إن «الحريري حاول التهرّب من إعطاء موقف نهائي عن طريق ابتداع صيغ لفظية، خصوصاً مطالبة عون بتوسيع مروحة اتصالاته لتشمل القوات والكتائب ومسيحيي 14 آذار حتى يُصار الى تبني ترشيحه من هؤلاء، طالما أن الاستحقاق الرئاسي (بحسب مصادر المستقبل لا تيلي لوميار) مسيحي بامتياز». وعليه، يكون الحريري قد رمى كرة عون الرئاسية في ملعب النائب دوري شمعون ورئيس حزب الكتلة الوطنية كارلوس إدة، إضافة إلى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع طبعاً. وتتقاطع مصادر المستقبل التلفزيونية مع مصادره الحزبية التي تتساءل، منذ أكثر من أسبوعين، عن كيفية إعلام الحريري عون بعدم قدرته على تبني ترشيحه من دون أن يزعزع ذلك علاقتهما الناشئة، لاستفادة المستقبل من اللعب على بعض التناقضات الصغيرة بين عون وقوى ٨ آذار.
لا يتمنع الحريريّ وهو راغب، لكن هذا لن يقلّل من تفاؤل عون: ما زال في النقطة الأقرب في مسيرته السياسية إلى رئاسة الجمهورية، لن يخذل طموحه الآن. حزب الله معه، وبالتالي حركة أمل، والنصاب الضروري لانعقاد جلسة انتخاب الرئيس. ستضغط الرابية على حزب الله، ليضغط عبثاً على النائب وليد جنبلاط، علّ النواب الذين أتوا بالنائب نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة يأتون به رئيساً للجمهورية. وفي حال تعثر ذلك، وسيتعثر حتماً، لا مشكلة في أن يتأجل انتخاب الرئيس أسابيع وأشهراً، وربما سنوات. عناوين اللافتات البرتقالية لتلوين شرفات الجماهير كثيرة: رئيس قوي أو لا رئيس. بلد من دون رئيس أفضل بألف مرة من رئيس بدون حيثية. الرئيس لا كرسيه. تطيير النصاب حق دستوري.
سيثير هذا غضب البطريركية المارونية طبعاً، وربما الكرسي الرسولي، ويوفر للنائب السابق فارس سعيد مادة جديدة يعقد المؤتمرات في أمانته العامة في شأنها. قبل أن تكتشف كتلة المستقبل، بعد بضعة أشهر، أن مواقفها وجعجع غدت مملة وغير مؤثرة. أما عون، فلديه ما يكفيه من المبررات لخبط يده مراراً وتكراراً على منبره رافضاً ذهاب النواب إلى المجلس النيابي، وسيجد تضامناً شعبياً حقيقياً. فليس عون وحده من لا يريد رؤية ميشال سليمان آخر في قصر بعبدا.
حتى الآن لم تنضج التسوية السعودية ــــ الإيرانية، ولا أرضية سياسية مشتركة تتيح الاتفاق على عون رئيساً. لكن لا أحد يعلم، في نظر الرابية، ماذا سيحصل بعد بضعة أشهر. ثمة أشخاص لا يمزقون ورقة اللوتو بعد انتهاء السحب الخاص بها. يحتفظون بها علّ إدارة اللوتو تقرر يوماً ما إعادة سحب قديم لاكتشافها عملية غش أو غيره في السحب السابق. ومن يطلب من عون تمزيق الورقة التي في يده مقابل تزكيته أحد المرشحين أو غير المرشحين (على غرار النائب السابق جان عبيد) وتسميته قائد الجيش وضمان حقيبة وزارية طوال العهد المقبل لباسيل، لا يعرف سخافة ما يقترحه في نظر الجنرال. لا عون = لا رئيس… حتى إشعار آخر.
ما على قوى ١٤ آذار، بالتالي، سوى إعطاء عون ما يريده، أو البحث عمن يمكن أن تقترحه على قوى ٨ آذار لتضطرها إلى الإعتذار من عون لعدم تضامنها معه حتى النهاية.