يبدو واضحاً ان التمديد لمجلس النواب مرة ثانية بات محتوماً، واصبح أمراً واقعاً وإن يكن رئيس المجلس نبيه بري قد حرص في الفترة الاخيرة على الاعراب تكراراً عن رفضه تلك الخطوة، وقد وافقه كثيرون على ذلك الرفض، ومنهم مرجع سياسي حرص على سؤاله في الوقت نفسه عن البديل من التمديد، وعما يمكن القيام به لتجنب الاقدام على تلك الخطوة، لافتاً الى أن البديل من التمديد هو اجراء الانتخابات النيابية في موعدها بعد اقل من شهرين، ومتسائلا: هل يرى رئيس المجلس امكاناً في الظرف الراهن لاجراء الانتخابات النيابية، وهو القائل عشية التمديد الاول ان الوضع الأمني لا يسمح باجراء انتخابات نيابية، وها هو وزير الداخلية نهاد المشنوق يؤكد الشيء نفسه بعد زيارته، مذكراً بأن القرار السياسي عند مجلس الوزراء من ثم في مجلس النواب في شأن التمديد؟
ويبدو واضحاً ايضاً ان رئيس مجلس النواب، ومع اعلانه رفض التمديد في المبدأ، يدرك جيداً ان لا مفر من التمديد في ظل استمرار الاوضاع على حالها…
وبعيداً من السياسة، وبتجرد، كيف تنظر المراجع القانونية والدستورية الى تلك المسألة؟
يرى الخبير الدستوري الوزير السابق الدكتور خالد قباني ان “لا مؤشرات أو خطوات تدل على وجود نية جدية لاجراء الانتخابات النيابية، اذ ليس هناك قانون انتخاب مقبول من الجميع لاجراء الانتخابات على اساسه، ولا خطوة واحدة في اتجاه وضع مشروع قانون جديد يتيح اجراء الانتخابات في موعدها بعد اقل من شهرين، وفي الوقت نفسه ليس هناك ما يدل على أن الأفق قد فتح امام انتخاب رئيس للجمهورية، فكيف يمكن في ظل هذا الواقع، ان يكون هناك حديث جدي عن اجراء انتخابات نيابية؟ في كل الاحوال، الاولوية يجب ان تكون لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في أقرب وقت، وهذه الخطوة تعزز احتمالات اجراء الانتخابات النيابية وتجنب التمديد، اذا كان لدى كل الاطراف الارادة الحقيقية والصادقة للعمل في هذا الاتجاه”. ويلفت الى أن “اجراء الانتخابات الرئاسية في وقت قريب، قد يفسح في المجال امام اجراء انتخابات نيابية”، ويقول: “ان التمديد لمجلس النواب، فضلاً عن مخالفته الدستور والمبادىء الدستورية العامة، سواء لجهة مبدأ تداول السلطة أو دورية الانتخابات ومفهوم السيادة الشعبية واحترامها، ينبئ بأن الازمة مستمرة وان امكان الخروج من الوضع الراهن – وأقل ما يقال فيه إنه دقيق وصعب – غير متوقع في المدى المنظور، مع ما يستتبع ذلك من تداعيات على المستوى الامني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي على الاستقرار في البلاد، والتمديد يشكل مؤشراً غير صحي نحو المسار الذي يتجه اليه لبنان في المرحلة المقبلة، وكأننا في خطوة التمديد نوجه رسالة مفادها ان ليس هناك مسار انقاذ ولا تغيير نحو الافضل، بل مسار استمرار الجمود والتراجع”. ويرى انه “لا بد من احداث نقلة نوعية على المستوى السياسي، وصولاً الى يقظة شعبية لاستنهاض الهمم واعطاء بارقة أمل للبنانيين واستعادة الحد الادنى من الثقة. البلاد في حاجة الى صدمة ايجابية انقاذية لا يمكن ان تكون الا من خلال ثلاث خطوات هي:
اولا – انتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت ممكن.
ثانيا – اجراء الانتخابات النيابية وتجنب التمديد.
ثالثا – اعادة الانتظام في عمل المؤسسات الدستورية”.
ويرى قباني “أن المناخ السياسي والشعبي مؤات لمثل تلك الصدمة ومهيّئ للتجاوب مع كل دعوة يمكن ان تحدث بارقة أمل وانفراج في البلاد، ولعل عودة الرئيس سعد الحريري المفاجئة يمكن ان تساعد على ذلك، بل يمكن ان تشكل مدخلاً في هذا الاتجاه”.
بالفعل، احدثت عودة الحريري المفاجئة صدمة ايجابية في المشهد السياسي الداخلي، بشهادة الجميع، وان بنسب متفاوتة، ولا سيما انها جاءت في لحظة سياسية حساسة وبالغة الخطورة، بيد ان هذه العودة، لا يمكن ان تكون مدخلاً الى انفراج حقيقي في البلاد، دون خطوات عملية، اولاها فتح حوار جدي وحقيقي بين طرفي الانقسام السياسي في البلاد، بين تحالف قوى 8 آذار و14 آذار، وتحديداً بين “حزب الله” و”تيار المستقبل”، وعناوين الخلاف بينهما كبيرة ومعروفة، والسؤال البديهي هنا: هل تبدو الاجواء الاقليمية مؤاتية لمثل هذا الحوار؟
تلك هي المسألة!