عون يلتقي الراعي: عتاب متبادل
مفتاح «السلسلة» في جيب.. السنيورة
لبنان بلا رئيس للجمهورية، لليوم الخامس والعشرين على التوالي.
وحدها الشائعات الامنية ملأت أمس الفراغ المتمادي، بحيث انشغل اللبنانيون بتتبع أخبار «الأنفاق الإفتراضية» وسيناريوهات التفجير، على وقع عمليات «داعش» في العراق، وما أثارته من ترقب لتداعيات محتملة على الداخل اللبناني.
وإذا كانت هناك إيجابية لهذه الموجة من الشائعات، فهي انها أعادت تحفيز الأجهزة الأمنية وتنشيط «الحس الامني» للمواطنين، وتفعيل الاجراءات الاحترازية في العديد من المناطق التي تسرب اليها مؤخرا بعض الاسترخاء.
والارجح، ان الكثيرين من هؤلاء الناس لن يتنبهوا الى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقررة اليوم، أو أقلّه لن يهتموا بها، بعدما أصبح التأجيل المتكرر روتينا اسبوعيا، وسط الإخفاق المستمر حتى الآن في تحقيق التوافق على اسم، وهو واقع مرشح للتمديد، كما يُستنتج من كلام العماد ميشال عون الذي أكد، أمس، تمسكه بحقه في الوصول الى الرئاسة، ورفضه تكرار خطيئة تجيير الثقة الشعبية الممنوحة له الى شخص آخر، كما فعل في العام 2008 مع الرئيس ميشال سليمان.
في هذا الاطار، نقل زوار الرئيس نبيه بري عنه قوله أمس انه ما من جديد متوقع في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، اليوم، لكنه اشار الى احتمال حصول مشاورات على هامشها. وأوضح انه سيستمر في توجيه الدعوات الى عقد جلسات انتخابية، إنما بفواصل زمنية أطول في شهر رمضان، مبديا خشيته من تكرار سيناريو الاستحقاق السابق، حين دعا الى قرابة 20 جلسة، من دون النجاح في انتخاب رئيس الجمهورية.
عشاء بكركي
وعلمت «السفير» أن رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون، زار ليل الاثنين – الثلاثاء بكركي ولبى دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي الى مأدبة عشاء شارك فيها 25 مطرانا.
ووفق المعلومات التي توافرت لـ«السفير»، فإن الاتصال الذي جرى يوم الجمعة الماضي بين عون والراعي، مهّد له المطران سمير مظلوم عبر سلسلة زيارات مكوكية بين الرابية وبكركي، لاعادة الحرارة الى الخطوط المقطوعة بين الجانبين. وبالفعل اتفق عون والراعي على زيارة يقوم بها الأول الى مقر البطريركية المارونية، ليل الاثنين ـ الثلاثاء، حيث حصل عتاب متبادل بينهما على خلفية اللوم الذي وجهه رئيس «تكتل التغيير» الى الراعي بأنه لا يرغب بوصوله هو ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع الى رئاسة الجمهورية.
وعلم أن الراعي أوضح لعون أنه قال هذا الأمر في معرض الحديث عن الموضوع الرئاسي، أي «اذا كان ترشيح «الجنرال» وجعجع قد أوصل البلاد الى الفراغ… فلنبحث اذا عن شخص ثالث».
وفيما تردد أن الراعي كان قد وجه دعوة الى جعجع للمشاركة في عشاء بكركي، ليل أمس الأول، قالت مصادر «قواتية» لـ«السفير» إن الظروف الأمنية التي حالت دون مشاركة جعجع في الاجتماع الماروني الأخير لا تزال سارية المفعول، ونفت أن يكون قد تم الاتفاق على عقد لقاء من هذا النوع.
وقالت مصادر شاركت في الاجتماع أن عون صارح الحاضرين بأنه من حق المسيحيين والموارنة أن يمثل الموقع المسيحي الأول في لبنان والمشرق رجل قوي ووفاقي، تماما كما هي حال من يمثل الموقع الشيعي والسني الأول في الدولة.
وقال عون ليل أمس في مقابلة مع محطة «أو تي في»: يتهمونني بأني قلت «أنا أو لا أحد» وهذا غير صحيح، والواقع أنهم يريدون الرئيس الذي يمثل 1% مسيحيا أو لا أحد. وأكد انه « طالما ان المرشحين هم أنفسهم لن انزل الى المجلس، فنحن لا نلعب وجرّبنا هؤلاء المرشحين ولم يفز احد منهم»، كاشفا ان «نادر الحريري زارني طالباً التمديد لميشال سليمان، لكنني رفضت».
وتوجه الى المسيحيين بالقول: لن أدعكم تبكون من جديد عند انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، إلاّ دموع الفرح، واقول للمسلمين الانتظار ليس لمصلحة احد، واقول لأميركا واوروبا والعالم، الرئاسة ليست شحادة، وانا الاقوى وانا الأحق بما أمثل.
وحول مضمون لقائه مع الرئيس سعد الحريري، قال عون: تكلّمت والحريري عن تهدئة الوضع وتأمين الاستقرار في لبنان، وتكلّمنا أيضاً عن قانون انتخابي جديد، على اساس النسبيّة مع تقسيم لبنان إلى 15 دائرة، ولكنّه لم يعطِ جواباً حتّى الساعة. وأضاف: قلت له إنني يمكنني ان أضمن أمنك السياسي عبر التحدث الى جميع الاطراف، ولكن من موقعي كمسؤول. واعتبر أن لدى الحريري عقبتين، الأولى مع حلفائه في الداخل والثانية ربما تكون في السعودية.
وشدد على ان من حقّ المجلس النيابي التشريع لإعادة تكوين السلطة حتّى في ظلّ غياب رئيس الجمهوريّة، «وانا شخصيا لا أعترف بالمجلس النيابي وقد طعنت بشرعيته.»
جلسة «السلسلة»
وإذا كان الامل بجلسة انتخابية منتجة مقطوعا حتى إشعار آخر، فان الجهد يتركز على إحداث خرق في جلسة سلسلة الرتب والرواتب غدا، لاسيما انه يتوقف عليها مصير المرحلة الثانية من الامتحانات الرسمية المتعلقة بالتصحيح وإعلان النتائج، بعدما ربطت «هيئة التنسيق النقابية» التراجع عن مقاطعة هذه المرحلة بإقرار السلسلة التي بات مستقبل عشرات آلاف الطلاب مرتبطا بها.
وتحت هذا الضغط، سُجل اتصال هاتفي بين الرئيس فؤاد السنيورة ووزير المال علي حسن خليل، تم خلاله التداول في بعض المقترحات لزيادة واردات تمويل «السلسلة».
كما تكثفت المشاورات والاتصالات بين الكتل النيابية، لتضييق هوة التباينات في تقدير ارقام الواردات والنفقات، وفي مقاربة الضريبة على القيمة المضافة، حيث يطلب «المستقبل» رفعها إلى 11 في المئة على كل السلع، بينما تصر «8 آذار» على الاكتفاء برفعها على السلع الكمالية إلى 15 في المئة، علماً أن هناك من يشير الى امكان ان يقبل «فريق 8 آذار» في نهاية المطاف برفعها إلى 11 في المئة، على ان يتنازل «المستقبل» في المقابل عن رفضه الدرجات الست للمعلمين.
وكان لافتا للانتباه ان رئيسة لجنة التربية النائبة بهية الحريري بدت أقرب الى طرح «حركة أمل»- «حزب الله» «التيار الوطني الحر»، من طرح «تيار المستقبل»- «القوات اللبنانية»، لاسيما في ما خص تأييدها منح المعلمين الدرجات الست، إلا ان ما تردد عن انحياز الرئيس سعد الحريري الى جانب منطق السنيورة، خلال اتصال هاتفي أجراه بعمّته، قد يكون لجم اندفاعتها، وقلص قدرتها على التأثير في موقف «كتلة المستقبل» النيابية.
ولفت بري الانتباه، أمام زواره، الى انه لم يسجل حتى مساء أمس نتائج حاسمة في شأن ملف السلسلة، لكن هناك انفتاحا على مناقشة الارقام، مؤكدا ان البت بالسلسلة يتم داخل مجلس النواب فقط، ولا عودة مرة أخرى الى أية لجنة.
أما الرئيس السنيورة فقال لـ«السفير» إن المشاورات والاتصالات المكثفة التي جرت أمس حول السلسلة «انتهت الى تحديد كل الامور والخيارات بشكل أدق من قبل، ما يعني اننا وصلنا الى لحظة الحقيقة التي يتوجب معها اتخاذ القرار المناسب».
وأكد ان «قرارنا محسوم من جهتنا، وهو اننا نريد ونتمنى إقرار السلسلة في جلسة الغد، لكن بطريقة متوازنة ومتزنة، تجنبا لاية مخاطرة»، داعيا المتحمسين زيادة عن اللزوم الى سؤال أنفسهم: ماذا بعد «السلسلة»… وهل يستطيع لبنان تحمل آثارها المالية والاقتصادية، ما لم تكن مرفقة بصمامات أمان حقيقية؟ وأضاف: المسألة ليست مسألة تحد ولا مزايدات… علينا ان نتصرف بمسؤولية.
وردا على سؤال حول تعليقه على تأييد النائبة بهية الحريري منح المعلمين الدرجات الست، أجاب: أتفهم هذا الموقف وأطلب من الآخرين أن يتفهموا موقفي أيضا…
وأوضح رئيس لجنة المال ابراهيم كنعان لـ«السفير» أنه سجل أمس حصول خرق كبير تمثل بتسليم الجميع بمرجعية وزارة المال في تقديم الأرقام.
دعم الجيش
في هذه الأثناء، عقد أمس في وزارة الخارجية الايطالية مؤتمر وزاري دولي للبحث في سبل دعم الجيش اللبناني تسليحا وتدريبا. وقد اجمعت وفود الدول والمنظمات الحاضرة على دعم الخطّة الخمسية للجيش التي لم يتحقق منها الكثير بعد مرور عام على إطلاقها.
وقال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في المؤتمر جيفري فيلتمان لـ«السفير» إنّ دعم الجيش يعني دعما لاستقرار لبنان ولأمنه ولوحدته، ومن خلال خدمتي في لبنان أدرك جيدا كم أنّ الجيش هو من أقوى الرموز التي تعبّر عن الدّولة وعن الوحدة، وأعتقد أنّ حزب الله لا بدّ من أن يعترف بذلك.
وأصدر المجتمعون في ختام المؤتمر بيانا أكدوا فيه استعدادهم لدعم القوات المسلحة اللبنانية. وعبروا عن أسفهم العميق لعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وعن دعمهم الكامل في الوقت ذاته للحكومة اللبنانية في تأدية واجباتها خلال هذه الفترة الانتقالية بما في ذلك الواجبات المتعلقة بتطبيق القرار 1701 ومواجهة التحديات الأمنية المتزايدة الناجمة عن النزاع في سوريا، مؤكدين أهمية الاستمرار في احترام سياسة النأي بالنفس.