لم يسبق لمقاتلي حزب الله و«القاعدة» أن تواجهوا قبل أحداث سوريا. في الميدان السوري، التحم الطرفان لأول مرة في أكثر من واقعة. بالنسبة الى المقاتلين الإسلاميين، فإن مقاتلي حزب الله يحاربون تحت تأثير «الكبتاغون». أما مقاتلو الحزب، فيرون في مسلحي الطرف الآخر «مجانين يحملون ملاعق طعام في جيوبهم استعداداً لتناول طعام الغداء مع النبي»!
«حزب الله تكفيري». هكذا يراه مقاتلو «القاعدة». وهكذا هم أبناء تنظيم «الجهاد العالمي» في عيني عدوّهم اللدود وعيون كثيرين. قبل سوريا، لم يسبق للتنظيمين أن تقاتلا وجهاً لوجه. لم تسنح لذلك فرصة حتى شهدت أرض الشام المبارزة الأولى على أكثر من جبهة، في كل من الغوطة وحلب والقلمون. سقط مقاتلون من الطرفين، لكن الغلبة كانت لمصلحة الحزب، فيما رأى مقاتلو «القاعدة» أن «الهزيمة في معركة لا تعني خسارة الحرب… فنحن الطائفة المنصورة». هذه المواجهة المحدودة أعطت فرصة لكلا المعسكرين ليرسم أحدهما صورة عن الآخر.
لا يستهين مقاتلو حزب الله بخصومهم. وكذلك يفعل مقاتلو «القاعدة». يُنصف كلاهما خصمه، من دون إغفال السلبية التي تطغى على المشهد العام. يقول أحد مقاتلي «جبهة النصرة»، وهو لبناني كان يرابط على جبهة السحل ومزارع ريما في القلمون، لـ «الأخبار»: «بعض مسلّحي الحزب كأنّو راكبهم جن». ويوضح: «كنت مع أخ في الرباط (القتال). وفي مواجهتنا كان مسلّحو الحزب تحت مرمى نيراننا. كنّا نرمي عليهم، لكنّهم لم يتراجعوا. أصبنا ثلاثة منهم وواصلوا النزول. لا يفعل ذلك سوى مجنون. لديهم جرأة غير طبيعية. أعترف بذلك»، لكنّ رفيقاً له يتدخّل في الحديث ليعطي رأياً آخر: «مؤكد أنهم يتعاطون حبوباً مخدّرة… كبتاغون»! لكنهم يتهمونكم بأنكم تتعاطون الحبوب المخدّرة أيضاً؟ فيجيب: «الحبوب محرّمة في شرعنا». عندها يردّ محدّثنا على زميله: «الحبوب عندهم حرام أيضاً. حتى لو كان عدوّك، لا يجوز أن تبخسه قدره.. لقد رأيتهم بعيني هاتين».
وقائع المواجهات التي خيضت أخيراً في القلمون على كل شفة ولسان في إحدى القرى البقاعية التي فرّ إليها عدد لا بأس به من مسلّحي المعارضة السورية. الثابت، بشهادة الجميع، هروب معظم المسلّحين من مواجهة الجيش السوري وحزب الله، باستثناء مقاتلي «جبهة النصرة» و«الكتيبة الخضراء». وحدهم مسلحو هذين التنظيمين، اللذين يدوران في فلك «القاعدة»، ثبتوا أمام الهجوم لأيام قليلة قبل أن يبدأوا بالانسحاب من قرية تلو الأخرى. برغم ذلك، يغالي كثيرون في الحديث عن «بطولات فردية» لم تكن لتؤثر في مسار المعركة.
تحدث بعض مقاتلي الحزب عن بطولات فردية تميّز بها بعض المقاتلين الإسلاميين
أحد الجرحى الذين أصيبوا في معركة السحل ونُقل إلى أحد مشافي عرسال، يقول إن لدى مقاتلي حزب الله «كثافة نارية تخال معها أن السماء تمطر ناراً، كما أنهم يعوّلون على الخونة منّا». شابٌ من إحدى قرى البقاع الغربي، قاتل في الداخل السوري، يوضح: «الاختلاف بين ابن الحزب وابن القاعدة كبير. عددهم أكبر وأسلحتهم أحدث وأقوى. ولديهم طائرات ودبابات وصاروخ بركان وصواريخ أخرى لا نعرف عنها شيئاً. كما أن لباسهم وسلاحهم وطعامهم يُكلّف آلاف الدولارات، فيما ابن القاعدة يستدين ويدفع من جيبه ثمن سلاحه وذخيرته». لكنّ الجيش السوري يمتلك أسلحة متقدمة، فلماذا يختلف الأمر مع حزب الله؟ يرد مسرعاً: «صحيح أن عقيدة الحزب فاسدة، لكن الإيمان الأعمى لعناصره بها يجعلهم أشجع في القتال». وهل يملك أي فكرة عن الحزب، يجيب: «الحزب تكفيري ولن يتمنّع عن ذبحنا جميعنا»، لكن، ألستم أنتم من يذبح «تقرّباً إلى الله»؟ يجيب: «نذبح لنُرهب عدوّنا، وهم يذبحون أيضاً».
في المعسكر المقابل، لا تختلف الصورة كثيراً. يرى مقاتل من حزب الله أن «القاعدة وحش من ورق ضخّمه الإعلام». برغم ذلك، يميّز الشاب الثلاثيني الذي شارك في القتال في معركتي القصير والقلمون بين مسلّحي «الجيش الحر» والمقاتلين السلفيين. يوضح أن «أفراد الحرّ هواة، فيما السلفيون أكثر شراسة لأنهم عقائديون»، لكنهم «ليسوا منظّمين. وأمام الغزارة النارية لن يصمد أي مقاتل ولو كان قلبه من حجر». مقاتلٌ آخر، شارك في معركة القلمون. يتحدّث عن «جنون لدى مسلّحي القاعدة». يروي كيف «يهجمون بالعشرات ويُقتلون بالعشرات من دون أن يتوقّف تدفّقهم حتى تتعب يدك من الضغط على الزناد». تسأله كيف عرفت أنّهم إسلاميون أو ينتمون إلى القاعدة؟ فيجيب: «من لحاهم الطويلة وشواربهم المحفوفة ورايتهم». ويقول ان «نقطة تفوقهم الوحيدة هي العمليات الأمنية والسيارات المفخّخة والانتحاريون». شابٌ حزبي ثالث يتحدث عن «سطوة القاعدة وتفوّقها في القتل والتوحّش في المناطق الخاضعة لسيطرتها فقط، أما في المواجهة المباشرة، فلا خبز لهم معنا».
لا يُميّز بعض مقاتلي حزب الله بين مسلّحي «النصرة» أو «الدولة الإسلامية»، ويرون أن «كلهم تكفيريون ومعركتنا معهم وجودية». يحكي أحد هؤلاء عن «شجاعة قل نظيرها لدى بعض مسلّحي القاعدة لدرجة رفضهم الاستسلام في إحدى المواجهات داخل أحد المستشفيات في دير عطية بعدما حاصرناهم فيها». ويضيف: «رفضوا تسليم أنفسهم وظلّوا يقاتلوننا حتى قُتلوا جميعاً بعد تفجير أحدهم نفسه داخل أحد طوابق المستشفى».
بعض مقاتلي الحزب يتحدّثون عن «بطولات فردية تميّز بها بعض المقاتلين الاسلاميين، لكنّهم في النهاية لا يقاتلون يداً واحدة». يوضح أحدهم: «ما من توزيع للأدوار ولا خطط هجومية أو دفاعية»، مشيراً إلى أن «القتال بالنسبة إليهم «هبج»، وإن كان يبرع كثيرون منهم في القتال الفردي نتيجة مراكمتهم تجارب قتالية من العراق وأفغانستان والشيشان».
المواجهة بين حزب الله والقاعدة، حربٌ يجزم طرفاها بأنّها شرٌّ لا بُدّ منه. وسواء أقرّ معسكرا القتال بصفات ممدوحة أو مذمومة لدى الآخر، فإن ذلك لن يُغيّر أن حرب وجود يخوضها الطرفان. كلٌّ يسعى إلى إنهاء الآخر بوسائله. والثابت أنّ القاعدة وحزب الله ضدّان لا ولن يجتمعا