كيف أصبح الإرهاب يخيف كل الدول وتعجز الجيوش عن مكافحته والقضاء عليه، وكيف ترعرع ونما وكبر وانتشر، ومن المسؤول عن ذلك؟ هل المسؤول أنظمة ديكتاتورية وقمعية قهرت شعوبها وأفقرتها بحيث أضحى الموت بالنسبة إليها أرخص من الحياة؟ هل هي الانقسامات السياسية والمذهبية التي جعلت المغلوب فيها بيئة حاضنة لكل متطرف وإرهابي علّه ينتقم لها من الغالب؟ هل هو تقصير مجلس الامن الدولي أو عجزه عن تنفيذ قراراته ولا سيما منها القرار 1373 حول مكافحة الارهاب وقد صدر في ايلول عام 2001، أم هو الخلاف على تفسير معنى الارهاب ووجوب التمييز بينه وبين المقاومة والجهاد؟
يمكن القول إن هذه الاسباب مجتمعة كانت كافية لجعل الارهاب ينمو وينتشر في أكثر من دولة في العالم وخصوصا في الدول التي تحكمها أنظمة قمعية تحمَّلها الشعب سنوات طويلة ثم انتفض عليها، وهو ما حصل في عدد من الدول العربية وعرفت بـ”ثورات الربيع العربي”، وقد انضمت الى الشعوب المقهورة الشعوب المحرومة والجائعة، معتبرة ان نتائج هذه الثورات تظل افضل من الظلم والقهر والتجويع.
لقد أجاب لبنان على القرار 1373 بإعلان التزامه مكافحة الارهاب بكل اشكاله ولكن على قاعدة التمييز بينه وبين الحق المشروع في مقاومة الاحتلال، وأعلن التزامه العمل على الانضمام الى المعاهدتين الدوليتين الخاصتين بمكافحة تمويل الارهاب ومنع الهجمات الارهابية بواسطة المتفجرات عبر الحدود، وقد سبق للبنان أن بدأ مكافحة الارهاب عندما اصطدم في الضنية بمجموعة مسلحة تدعى “عصبة الانصار” واوقفت القوى الامنية غالبية افرادها، وزوّد لبنان دولا عدة وفي مقدمها الولايات المتحدة الاميركية معلومات مفصلة عن هذه العصبة، واثبتت التحقيقات التي أجراها لبنان عدم وجود اي شخص سماه القرار 1333 الصادر عن مجلس الامن عام 2000 ضمن الاراضي اللبنانية وان هؤلاء ممنوع دخولهم اراضيه، وان مصرف لبنان حقق بما ورد من الامم المتحدة، عبر لجنة التحقيق الخاصة المنبثقة من قانون مكافحة تبييض الاموال، في لوائح تضم ارهابيين ولم يعثر في المصارف اللبنانية على حساب لهم. وشرح لبنان في رسالته الجوابية القوانين اللبنانية ومطابقتها لموجبات القرار 1373، وقدم شرحاً تفصيلياً عن قانون مكافحة تبييض الاموال وآلية عمله، وأكد أنه لا يشكل مأوى لمن يموّل أو يقود أو يدعم أو يرتكب جرائم ارهابية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل التزمت كل الدول، ولا سيما منها الكبرى، نص قرار مجلس الامن حول مكافحة الارهاب، أم أنه كان لبعضها مصلحة في استخدام الارهاب خدمة لمصالحها السياسية والامنية والاقتصادية؟ وهل تم التصدي بجميع الوسائل وفقا لميثاق الامم المتحدة للتهديدات التي توجهها الاعمال الارهابية للسلام والامن الدوليين خصوصا بعد تزايدها بدافع من تعصب او تطرف في مناطق مختلفة من العالم، وان تمتنع كل دولة عن تنظيم اي اعمال ارهابية في دولة اخرى او التحريض عليها او المساعدة او المشاركة فيها، وقبول نشاطات منظمة في اراضيها بهدف ارتكاب تلك الاعمال، وان تمنع وتوقف تمويل الاعمال الارهابية والتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة وتحريم قيام رعايا هذه الدول عمدا بتوفير الاموال او جمعها بأي وسيلة وفي أراضيها لكي تستخدم في أعمال ارهابية، واتخاذ الخطوات اللازمة لمنع ارتكاب هذه الاعمال وإنذار الدول الاخرى عن طريق تبادل المعلومات بموجب القرار 1373؟
واتخذ مجلس الامن الدولي قرارا آخر بطلب من روسيا رقمه 1569 عام 2004 يدعو الى “التعاون التام في مكافحة الارهاب خصوصا مع الدول التي تمارس فيها هذه الاعمال او يتعرض مواطنوها لأعمال ارهابية وتعطل على نحو خطير التمتع بحقوق الانسان وتهدد التطور الاجتماعي والاقتصادي وتقوض الاستقرار والازدهار”.
ويرى وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ان الارهاب الذي بات عابرا للحدود والمدن والمناطق والطوائف والاتنيات يستدعي الدعوة الى مؤتمر اقليمي للبحث في كيفية حماية دول المنطقة من مخاطر الارهاب واقتلاع جذوره، وان يعمل لبنان على إعداد رؤية استراتيجية للتعامل الطويل الاجل مع الصراع ضد الحركات الارهابية وإقامة شبكة علاقات واسعة والتنسيق مع سائر دول الاقليم ومع الاجهزة الدولية، وشن حرب استباقية ضد الارهاب بسد الثغر التي يتسلل منها لا سيما ثغرة غياب التوافق السياسي بدءاً بسد ثغرة الشغور الرئاسي.
الواقع ان الارهاب يكافح بوجود دولة قوية، والدولة القوية تبدأ بانتخاب رئيس لها. ويكافح ايضا بوجود وحدة وطنية تمنع الملاذ لأي ارهابي، وهذه الوحدة لا تقوم إلا مع حكم قادر وعادل.