IMLebanon

«مكرمة» سعودية تعيد الحريري: «الاعتدال» يلمـلم بيته

عاد الرئيس سعد الحريري إلى لبنان صباح أمس حاملاً معه وعداً بمليار دولار مقدمة من السعودية إلى الجيش اللبناني. جدول أعمال الحريري طويل، يبدأ بصرف المليار دولار ومقارعة حزب الله، ولا ينتهي بلملمة البيت الداخلي ومواجهة التكفير

فراس الشوفي

لم يعد الرئيس سعد الحريري إلى لبنان، كما رحل قبل 3 سنوات و4 أشهر، خالي اليدين. كلّل رئيس الحكومة الأسبق عودته بهبة سعودية للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، بعد اغتراب توزّع بين فنادق أوروبا وقصور المملكة العربية السعودية. الحريري هنا إذاً، ومعه قرار من الملك عبدالله بن عبد العزيز بصرف مليار دولار لدعم الجيش في معركته ضدّ الإرهاب، ولـ«يقود تيار الاعتدال السنّي»، كما أكد في كلمته أمام قوى 14 آذار مساء أمس، وردّد المستقبليون، قبله وبعده.

الأسئلة كثيرة عن ظروف عودة الحريري الآن، والإجابات تبدأ في الموصل ولا تنتهي بعرسال. «الرئيس عاد ونقطة على السطر. يمكن أن يسافر، أن يزور فلاناً في الخارج، لكنّه عاد إلى لبنان»، يقول مصدر مقرّب من الحريري لـ«الأخبار». يحصر المستقبليون أسباب العودة بـ«قيادة الاعتدال السنّي» وصرف الهبة السعودية.

بالنسبة الى المرجعيات اللبنانية، لم تكن العودة مفاجئة، كما كانت بالنسبة إلى الجمهور المستقبلي المتآكل، الذي انتشى بعودة قائده الغائب حتى ساعات متأخرة من ليل أمس بالمفرقعات والتجمعات. فعلى مدى الأشهر الماضية، لم يتعب النائب وليد جنبلاط من إطلاق النداءات لعودة الحريري في السّر والعلن، مستشعراً «خطر غياب الحريري عن البلد في ظلّ تفشي التطرف»، كما أشار وزير اشتراكي لـ«الأخبار». ومثله الرئيس نبيه برّي الذي نقل عنه زوّاره أمس أنه عندما سئل عن رأيه في عودة الحريري رفع يديه مبتهلاً، واكتفى بـ«الحمد لله». وكان سبق أن وجّه بري نداءً علنياً للحريري، قبيل تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، ليعود رئيساً للحكومة. لكن لا هم، بدا رئيس تيار المستقبل أمس رئيساً فعلياً للحكومة بعد خروجه من سيارته في باحة السراي الحكومي، وبمجرّد إبلاغه سلام فور عودته قرار عبدالله بـ«تقديم مليار دولار إلى لبنان لتلبية الحاجات الملحة للجيش»، وحضوره اجتماعاً أمنياً في السراي.

وتربط مصادر رفيعة في قوى 8 آذار عودة الحريري بسببين رئيسين. أولاً، أحداث عرسال التي كشفت واقعاً مخيفاً عن مدى تفلّت جزء من الشارع من القبضة المستقبلية، وانسجامه مع طروحات التيار التكفيري. فالطرف الأول الذي ستقتاته «داعش» هو تيارات مشابهة للمستقبل. كذلك برز التشرذم حتى داخل الهيكلية التنظيمية للتيار نفسه. وعليه، فإن عودة الحريري هي محاولة لـ«وقف تسرّب الجمهور المستقبلي إلى أحضان التطرّف». والسبب الثاني هو أن «العودة الآن هي انعكاس لخطاب الملك السعودي قبل أيام، وإعلانه نية السعودية مكافحة الإرهاب».

أما في ما خصّ أحداث عرسال، فتشير التجربة إلى أن عدم ذهاب الجيش نحو الحسم، قطع الفرصة على حزب الله للاستفادة من حسم الجيش لتهديد المسلحين المجتمعين على حدود جرود القلمون. وبالتالي فإن الحزب لم يخسر، لكنّه لم يربح، ومن المفترض، بحسب المصادر، أن يعمل الحريري مستقبلاً على منعه من الربح، خصوصاً بعد استهداف المسلحين للجيش، وظهورهم كتهديد جدي للبنان بأسره وليس لحزب الله وبيئته وحدها. وأيضاً، منع التكفيريين من الربح على الجيش، مع ما يعنيه ربحهم من سحب للبساط من تحت السطوة الحريرية. وبمعزلٍ عن حسابات الربح والخسارة العسكرية، تشير مصادر قوى 8 آذار إلى أن «وجود الحريري الآن يحتّم إعطاء زخم سياسي أكبر للجيش في صداماته المستقبلية مع المسلحين، كما يساعد على منع المتطرفين من تحريك المناطق اللبنانية والصدام مع الجيش».

وزارة المال السعودية لم تتبلغ قرار صرف الأموال من الهبة الأولى

ماذا عن الهبة؟ لا تقارن الهبة الحالية بتلك التي قدّمتها السعودية إلى لبنان بقيمة 3 مليارات قبل أشهر. ومع ذلك، عاد الحريري الآن. ولم يعرف بعد إن كانت الهبة الحالية ستلقى مصير سابقتها، التي لم يسلّم منها «رصاصة» حتى اللحظة إلى الجيش، علماً بأن وزارة المال السعودية لم تتبلغ حتى الآن قرار صرف الأموال المطلوبة. حتى فرنسا، التي احتلت المركز الأول كمصدر للسلاح في الهبة، لم تقدّم شيئاً من الأسلحة المطلوبة كما تجري العادة بين الدول بعد الاتفاق على صفقات السلاح، ما يدلّ على «عدم ثقة» فرنسية بأن الأموال ستدفع حتماً. وعلمت «الأخبار» أيضاً أن الحصة الأميركية من الأسلحة تم تصنيفها وتوضيبها في انتظار «الإفراج» السعودي عن الأموال. وإذا كانت الهبة الحالية قد أُعلن عنها في خضمّ معارك عرسال، فلا شيء مؤكّد حتى اللحظة أن السلاح سيصل سريعاً إلى الجيش، أو أنه سيبقى كلاماً في الهواء، في ظل احتمالات التأزم الأمني الكبيرة.

هل تحمل عودة الحريري حلّاً لرئاسة الجمهورية؟ يجزم معظم المصادر بأن الحريري لم يحمل أي مبادرة تتعلّق بحلّ أزمة الرئاسة المعلّقة. ويشير مصدر سياسي رفيع في قوى 8 آذار إلى أن «اللبنانيين فقدوا فرصة حلّ الملفّ الرئاسي محلياً قبل أشهر، عندما كانت الفرصة متاحة. الرئاسة الآن مرتبطة بملفات المنطقة بشكلٍ وثيق، من الاتفاق الأميركي ـــ الإيراني إلى الموقف السعودي والأزمة العراقية». وتدحض أغلبية المصادر في قوى 8 آذار وتيار المستقبل الحديث عن «أي صفقة أعدّها الحريري مع (النائب ميشال) عون»، خلافاً لما تردّد طوال يوم أمس. لكن زوّار برّي أمس نقلوا عنه قوله إن «وجود الحريري يساعد كثيراً في تهيئة أجواء الملفّ الرئاسي للحلّ».

عاد الحريري إلى لبنان أمس، في ظلّ تهديدات أمنية أكبر بكثير من تلك التي سادت قبل سنوات، في ظلّ استعار موجة الإرهاب على كامل الضفة الشرقية للمتوسط، وبعد أن تذرّع الحريري طويلاً بالظروف الأمنية لتبرير الغياب. وفي انتظار إيجابيات العودة الميمونة، تقول إحدى المرجعيات السياسية إن من الأفضل أن «نحاور رجلاً واحد على أن نحاور قائمقامي المقاميات في تيار المستقبل».

لقاءات الحريري

وفور وصوله إلى بيروت، زار الحريري سلام في السراي الحكومي، ثمّ انتقل إلى منزله في وسط بيروت حيث استقبل السفير الأميركي ديفيد هيل والسفير السعودي علي عواض العسيري والرئيس فؤاد السنيورة والوزيرين نهاد المشنوق وأشرف ريفي والنائبة بهية الحريري ووزراء ونواباً. وعند السادسة مساءً، ترأس اجتماعاً واسعاً ضمّ أعضاء كتلة المستقبل النيابية والمكتب السياسي والمجلس التنفيذي في التيار، قبل أن يرعى اجتماعاً موسّعاً لـ«14 آذار».