IMLebanon

ملف المخطوفين والمسار الجديد

المطلوب التمييز بينَ ما هو حقيقيٌ وبين ما هو إشاعةٌ، ففي الجو المضطرب الذي يعيشه اللبنانيون إن مسار الإشاعات يتقدَّم على مسار الحقائق فتختلط الوقائع بالأوهام وتصيرُ الحقيقةُ وجهة نظر.

في الجو المضطرب هذا، أوردت بعض المواقع الإلكترونية أن عناصر من داعش تنتشر في جرود زحلة وجبال صنين، سرعان ما إنتشر هذا الخبر على مواقع التواصل الإجتماعي ليُثير حالاً من الهلعِ والرعبِ الشديدين بين صفوف المواطنينَ ولتبدأ البلبلة تأخذَ مداها.

***

قليلاً من التدقيق:

أن ينتشر خبرٌ فهذا ليس جديداً، لكن أن ينتشر تنظيم داعش في جرود زحلة وجبال صنين، فإن الحد الأدنى من الوعي يفترضُ حدّاً أدنى من التدقيق:

إذا كانت كل الإحتياطاتِ متخذةِ من قِبَل الجيش اللبناني لعدم إجتيازِ الحدودِ، فكيف وصل تنظيم داعش إلى جرود زحلة وأعالي صنين؟

حين يصل إلى تلك المناطق فعليه في هذه الحال أن يكونَ قطع كل القرى والبلدات قبل أن يصل إلى هذه المرتفعات. فكيف يكون قطع تلك القرى والبلدات فيما الجيش يتخذ إجراءاتٍ صارمةٍ فيها، وذلك بالتعاون والتنسيق مع أهالي تلك البلدات.

إن هذا النوع من الأخبار ربما القصدُ منه إثارةِ البلبلةِ، وكأن الناس لا يكفيهم ما هُم فيه. وربما الغاية من هذا النوع من الأخبار هو التعكير على المساعي التي بدأت لإطلاق العسكريين المخطوفين، والتي يبدو أنها حازت على الضوء الأخضر من الحكومة.

***

فالحكومة، وبعد جلسة ماراتونية، خطت خطوة متقدِّمة في إتجاه إقرار مبدأ المفاوضات، وذلك بعد رفض مبدئي من كثيرين، فأعلنت أن المفاوضات ليست عيباً، بل هي أسلوب تعتمده حتى الدول الكبرى عندما يكون لديها مخطوفون.

بهذه الطريقةِ إجتازت الحكومةُ قطوع التصدُّع بعدما كان نصفُ أعضائها ضد مبدأ المفاوضةِ فميَّزت بين التفاوض وبين الخضوع للإبتزازِ من خلال الإعلانِ أن لبنان متمسكٌ بمبادىء عدم المقايضة أو المبادلة أو الخضوع لشروط إطلاق إرهابيين محكوم عليهم. كما أن لبنان لا يخوض مفاوضات مباشرة، بل يقوم بها بطريقةٍ غير مباشرةٍ من طريقِ دولٍ وهيئاتٍ معنية.

***

إذاً، الآن بدأ العمل الجدّي والحقيقي، وأولى طلائعهِ الكشف عن العدد الحقيقي للعسكريين المخطوفين وهو 28 عسكرياً من الجيش وقوى الأمن الداخلي يتوزعون على جبهة النصرة وتنظيم داعش.

إذا دخل أي طرفٍ خارجي على الخط، سواء أكان عربياً أو دولياً، فإن من أبرز شروطه للبدء بالوساطة هو وقف التهديد بالذبح من جانب المسلحين، أما من الجانب اللبناني، فإن الحكومة كانت واضحة في ان الموقوفين مقسَّمون إلى عدة فئات، فالذين يُمضونَ فترةِ حكمهم في السجنِ لا يمكن إطلاقهم، أما الملفُ الذي يجري التركيز عليه فهو ملفُ الموقوفين الذين لم يُحاكموا وليس لديهم فتراتِ توقيفٍ لتنفيذِ الأحكام.

***

في مطلق الأحوالِ، فإن مساراً جديداً قد بدأ، هو ملف التبادل، وهو مسارٌ محفوف بالمخاطر والألغام والعقبات، وقد تواكبه إشاعات كثيرة وقد يُشوِّش عليه متضررون. المهم في كل ذلك أن الذين سيتولون هذا الملف عليهم أن يتمتَّعوا برباطةِ جأشٍ للوصول به إلى خواتيمه السعيدة قبل أن تدهمه المفاجآت.