IMLebanon

مليار دولار سعودي إضافي للجيش و«لقاء ودّي» بين عون وجنبلاط

كلّ المؤشّرات تدلّ إلى أنّ الجيش اللبناني نجح في إحباط مخطّط الإرهابيين بتفجير لبنان، وأبلغُ دليل تخبُّطهم ورميُ الاتّهامات على بعضهم وتوسّطُهم للعودة من حيث أتوا أساساً. وهذا المخطط كان يقوم على سيبةٍ ثلاثية: مباغتةُ الجيش لإرباكه وشَلّه، ترهيبُ اللبنانيين، وإعلانُ مساحة من الأراضي اللبنانية ضمن دولتهم الداعشية. ولكنّ المفاجأة بالنسبة إليهم تمثّلت بثلاثة تطوّرات: الجيشُ اللبناني ليس الجيش العراقي، تجاوُز اللبنانيين لانقساماتهم وتوحّدُهم خلفَ الجيش، وغياب أيّ بيئة لبنانية حاضنة لمشروعهم. وفي المحصّلة تصدّى الجيش لأكبرِ خطرٍ تهدَّد لبنانَ منذ نهر البارد، وكان يرمي إلى ضرب الاستقرار واقتطاع جزءٍ من السيادة الوطنية. ويكتسب انتصارُ الجيش أهمّيةً مرحلية واستراتيجية، كونه يقفل الساحة اللبنانية أمام العواصف الإرهابية، ويحصّنها من المضاعفات المتأتّية من الساحات الأخرى، ويفتح باب التوافق السياسي على الملفّات الداخلية بدءاً من انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأنّ هذا الالتفاف الوطني الاستثنائي خلفَ الجيش لا يمكن إلّا أن يؤدّي إلى حلحلة وانفراجات داخلية.

حقّق الجيش في معركته مع الإرهابيين إنجازات عدة أبرزها: منع سيطرة الإرهابيين على منطقة عرسال من دون إراقة نقطة دم من أبنائها المدنيين، وذلك بحكمة قيادة الجيش التي عملت المستحيل لتجنيب المدنيين أيّ مكروه، على رغم ضخامة المعارك التي خاضها الجيش، وكبّدت الإرهابيين خسارة مُحقّقة.

أمّا الإنجاز الثاني فيتّصل بتحويله مراكزَ المراقبة المعزولة التابعة له في وادي عطا ووادي حميد والمصيدة وعين شعب والحصن إلى مراكز دفاعية محصّنة.

وكشف مصدر أنّ الجيش استطاع تعزيز عديد القوى العسكرية بما يمكّنه من الدفاع عن القطاع، (أي جبهة عرسال). فبعدما كانت مراكزه نائية تعزّزت هذه المراكز بأفواج المغاوير والمجوقل والتدخّل الخامس، لكنّ المغاوير والمجوقل هما احتياطي قيادة الجيش وهما من الوحدات الخاصة الذين يأخذون صفة قوات النخبة ويتدخّلون عند الحاجة وينصرفون الى تدريبات ودورات خاصة للتدخّل عند الحاجة في جبهات أخرى.

وأكّد المصدر أنّ حسمَ المعركة مع الإرهابيين يجب أن ينتهي بأسرع وقت، والانتقال الى المرحلة الثانية، وهي تجهيز لواء بكامله بتجهيزات خاصة من أسلحة ومرابض مدفعية وطيّارات واجهزة رصد، وهي تجهيزات يجب ان تكون سريعة وفورية حتى يتمكّن هذا اللواء من حماية الحدود بعد حسمِ المعركة، ويجب أن يُجهَّز أيضاً بوحدات خاصة تتدخّل عند الحاجة، أي: لواء واحد لضبط الحدود يغطّي المساحة الشاسعة في جرود عرسال.

أما بالنسبة الى عناصر الجيش المفقودين فقال مصدر عسكري لـ«الجمهورية» إنّ الإرهابيين اعترفوا بـ 10 عسكريين، فيما لا يزال للجيش 9 مفقودين آخرين، فأين هم؟ وتخوَّف من أن يكون الإرهابيون يريدون جرَّ الجيش إلى حرب استنزاف من خلال التسعة الذين احتفظَ بهم. وأكّد المصدر أنّ قيادة الجيش لن تسمح بجرّها لحرب استنزاف، وبالتالي هي تصرّ على استرداد هؤلاء المفقودين وحسمِ الأمر في أسرع ما يمكن».

وتردّدت معلومات أنّ الإرهابيين باشروا ليلاً بإخراج آلياتهم وعتادهم بشكل تدريجي، وأبلغوا هيئة العلماء أنّ عرسال ستكون خالية من الإرهابيين عند السادسة من صباح اليوم. ولكنّ التجارب مع الإرهابيين تبقى موضعَ شكّ، وبالتالي فإنّ الأمور تقاسُ بخواتيمها.

مجلس الوزراء

وفي سياق متصل، علمت «الجمهورية» أنّ رئيس الحكومة تمام سلام طلب من قائد الجيش العماد جان قهوجي والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص وقادةَ الاجهزة الامنية المشاركة في جزء من جلسة مجلس الوزراء التي ستعقد اليوم في السراي الحكومي، في اعتبار أنّ جزءاً منها سيخصّص للبحث في الوضع الأمني في عرسال وتداعياته وما تركته العملية العسكرية من نتائج على اكثر من مستوى.

وسيقدّم كلّ من وزيري الداخلية والعدل نهاد المشنوق وأشرف ريفي تقريرين حول نتائج المساعي المبذولة لإنهاء الوضع في المنطقة وتوفير الظروف التي تسمح بتأمين الإفراج عن جميع الموقوفين من العسكريين من جيش وقوى أمن، بعدما تمّ إطلاق ثلاثة عسكريين أمس، بعد 24 ساعة على الإفراج عن ثلاثة آخرين، وإخراج الإرهابيين السوريين من البلدة نهائياً وإعادة بسط سلطة الدولة اللبنانية بقواها الأمنية والعسكرية فيها.

مراجع حكومية

وسخرَت مراجع حكومية تتعاطي في حركة الإتصالات لتثبيت وقف إطلاق النار في عرسال وتطبيق ما اتّفق عليه بإشراف رئيس الحكومة وبالتنسيق التامّ مع قيادة الجيش، من الروايات الإعلامية التي تحدّثت عن شروط وضَعها الإرهابيون بالحدّ من حركة الجيش في محيط البلدة مستقبَلاً، والتعهّد مسبقاً بترك معابر آمنة للإرهابيين للانتقال من عرسال إلى جرودها، وعدم المَسّ بمن تعاونَ معهم من أبناء البلدة.

وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية» إنّ رئيس الحكومة والوزراءَ المعنيين بهذا الملف مباشرةً وقائدَ الجيش، أجمعوا على دعم مطالب الجيش كاملةً، وهم على يقين بأنّ أيّ إجراء يمسّ بحرّية الجيش وحركته أمرٌ غير مقبول.

وذكر أحد الوزراء أنّ قيادة الإرهابيين في داخل عرسال انتقلت من تركيبة «داعش» التي كان يديرها الموقوف عماد جمعة إلى قيادة «النصرة» بإمرة «أبو مالك» وفريق من معاونيه السوريين، وهم أبلغوا الوسطاء من «هيئة العلماء المسلمين» أنّهم لم يريدوا يوماً القيام بأيّ عمل عسكري خارج الأراضي السورية، خصوصاً على الأراضي اللبنانية، واتّهموا جمعة بالتآمر عليهم في هذا التوجّه.

وأضافوا أنّ هناك مجموعات سوريّة ترفض الانسحاب من عرسال، وأنّ مهمّتهم إنهاء هذه الإعتراضات الداخلية بالقوّة إنْ لم تستوِ الأمور بالحسنى، وتعهّدوا بتأمين الإفراج عن العسكريين المخطوفين جميعاً من دون أيّ استثناء تزامُناً مع الانسحاب منها.

دعم الجيش

في غضون ذلك، أعلنَ الرئيس سعد الحريري من جدّة عن قرار الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز بتقديم دعم فوري للجيش وقوى الأمن الداخلي والقوى الأمنية الشرعية بمبلغ مليار دولار، يتيح لها مكافحة الإرهاب.

وقال الحريري إنّه سيباشر اتّصالاته برئيس الحكومة والوزارات والإدارات العسكرية والأمنية اللبنانية، والعودة معها إلى البرامج والخطط والمشاريع، التي تلبّي بالدرجة الأولى الحاجات المُلحّة للجيش والأجهزة، وتسهِم مباشرةً في توفير المستلزمات الممكنة والمطلوبة، لمكافحة ظاهرة الإرهاب.

مصادر وزارية

وأكّدت مصادر وزارية أنّ الهبة السعودية الجديدة ستُخصّص، بأمر من الملك، إلى الأجهزة الأمنية المكلّفة مواجهة الإرهاب. وأوضحَت المصادر لـ«الجمهورية» أنّ الأموال التي باتت بتصرّف الحريري، ستصرَف بالتوازي بين الأجهزة الأمنية من مخابرات الجيش وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة، وهي ستكون بتصرّف هذه الأجهزة في الساعات القليلة المقبلة.

وتعليقاً على الروايات بأنّ هبة المليار هي للتعويض على التأخّر في صرف المليارات الثلاثة السابقة للجيش من الأسلحة الفرنسية، أوضحَت المصادر أنّ هذين الأمرَين منفصلان تماماً، لأن لا تأخير في الهبة السابقة التي وُضعَت على سكّة الترجمة بآليّة إدارية وماليّة يمكن القول إنّها «بليدة»، لكنّ الحديث عن تعثّرها أو تقليصها غيرُ صحيح، ثمّ إنّ أيّ حديث حول هذا الموضوع فيه من التشكيك المشبوه بالمبادرة التي تابعتها الأجهزة المختصة في الجيش مع الجانبين الفرنسي والسعودي على السواء.

مشاورات أوروبّية

في الموازاة، تجري مشاورات أوروبّية لبلوَرة مجالات تقديم الدعم العسكري والأمني للجيش لمساعدته في مواجهة الإرهاب.

وقال سباستيان برابان، المتحدّث باسم الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون: «إنّ التكتّل الموحّد يُجري اتصالات دائمة مع الطرف اللبناني، سواءٌ عبر بعثته في بيروت أو عبر السفارة اللبنانية في بروكسل.

وأوضحَ أنّ العمل يجري على تحديد المجالات التي يمكن من خلالها تقديم الدعم للجيش، حيث «هناك عدّة برامج تعاون أوروبّي – لبناني على المدى الطويل تخصّ قطاعات الأمن والجيش والشرطة»، وفقَ كلامِه. وأشار إلى أنّ الاتحاد الأوروبي يعمل على دراسة إمكانية مساعدة السلطات اللبنانية في مجال إدارة الحدود والتدريب والتأهيل، وأكّد وجود توافق أوروبي لتقديم مساعدة مهمّة للجيش، خصوصاً للوحدات الإدارية واللوجستية.

جنبلاط في الرابية

وخرقَ المشهدَ السياسيّ أمس زيارةٌ قام بها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط إلى الرابية، ولقاؤه رئيسَ تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، بعد أيام على لقائه رئيسَ مجلس النواب نبيه برّي والأمينَ العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله.

وفيما فُرض تكتّم شديد حول تفاصيل اللقاء، ولم يصرّح إثرَه جنبلاط، صدر بيان مشترك عن لجنة الإعلام في «التيار الوطني الحر» ومفوضية الإعلام في الحزب التقدمي الإشتراكي البيان اكد ان» الإجتماع كان صريحاً وودياً، وتم خلاله النقاش في عدد من الملفات السياسية أبرزها المعركة التي يواجهها لبنان في هذه المرحلة الحساسة ضد الإرهاب، حيث كان تأكيد مشترك على أهمية الدعم المطلق للجيش، من دون أي شروط أو تفسيرات أو تأويلات من شأنها التشويش على المناخ الداعم للمؤسسة العسكرية.

وتخلّل الاجتماع نقاش في سبل تحصين الساحة الداخلية إزاء التحديات المتنامية، وفي آليات تعزيز الإستقرار الداخلي، وهو ما يتحقق من خلال الإبتعاد عن الحسابات الفئوية بين اللبنانيين، ويتعمق عبر تفعيل المؤسسات الدستورية والإسراع في ملء الشغور الرئاسي.

غاريوس

ورأى عضو تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ناجي غاريوس لـ»الجمهورية» أنّ زيارة جنبلاط إلى الرابية طبيعية جداً، وتأتي في سياق جولته الانفتاحية على الأفرقاء، وأكّد على أهمّية طابع الزيارة، «فبينَنا اختلافٌ في وجهات النظر، لكنّ هذا لا يعني أنّ جنبلاط عدوٌّ لنا، بل خصمٌ سياسيّ شريف، ولا إشكالَ شخصيّاً معه، وقد رحّبَ عون سابقاً بزيارته وقال أهلاً وسهلاً به عندما يأتي، وهو يدخل من غير أن يقرع الباب، فهذا منزله».

وأكّد أنّ كلّ زيارة يقوم بها قطبٌ سياسيّ إلى قطب سياسي آخر هي جيّدة، حتى ولو لم يتّفقوا على بعض المواضيع. فالتقارب الشخصيّ بين أفرقاء توجد بينهم خلافات سياسية هو أهمّ بكثير من أن يتّفقوا على كلّ شيء من المرّة الأولى. وقال إنّ عدم إدلاء جنبلاط بأيّ تصريح، والاكتفاء بصدور بيان مشترك، معناه أنّه متّفق مع عون على أمور عدّة لن يفصحا عنها الآن.

وعمّا إذا كانت الزيارة تمهيداً لسحبِ ترشيح النائب هنري حلو وتعبيد الطريق أمام عون، أجاب غاريوس: «لا نملك معلومات حيال هذا الموضوع، فما جرى هو ملكُ الطرفين».

وهل يمكن أن نرى جنبلاط في معراب؟ أجاب: «يجب أن يزور معراب وأن يزور الجميع». وهل أتت زيارة جنبلاط بناءً على نصيحة السيّد نصر الله بضرورة التواصل المباشر مع عون؟ قال غاريوس: من المؤكّد أنّ جنبلاط بحث مع برّي ونصر الله في مواضيع عدّة، ولا بدّ أنّه فاتحَهما بنِيتِه زيارةَ عون، فشجّعاه على ذلك، وأضاف: «لا أحد يستطيع أن يفرض على جنبلاط شيئاً، فهو يملك حسّاً سياسياً بما يكفي».

مصادر «التيار»

من جهتها، قالت مصادر بارزة في «التيار» لـ«الجمهورية»: «كلّ لقاء بين اللبنانيين مُرحَّب به، خصوصاً في هذا الجوّ، والخطر الذي يتعرّض له الجيش على يد الإرهابيين والتكفيريّين، ونحن نرحّب باللقاء ونتمنّى أن تحصل لقاءات مع كلّ الأطراف كي نتّفق حول سُبل تقطيع هذه المرحلة الصعبة». وعن استقبال الرابية لجنبلاط بعد السهام التي صوّبَها تجاهها ومعارضته علناً وصولَ عون إلى الرئاسة، أجابت المصادر: «أوّلاً، في السياسة لا خصومة دائمة ولا لقاءات دائمة.

ثانياً، الوضعُ الاستثنائي والخطير يفرض على الجميع أن يلتقوا حتى مع أخصامهم السياسيين». وهل هذا الوضع سيؤدّي بنا إلى رؤية عون، مثلاً، في المختارة أم في كليمنصو؟ أجابت المصادر:» لِمَ لا ؟».

التمديد النيابي

في غضون ذلك، طلبَ رئيس مجلس النواب نبيه برّي من وزارة الداخلية الإعداد للانتخابات النيابية، وجدّد رفضَه التمديد للمجلس النيابي.

وكان وزير الداخلية وقّعَ أمس مرسومَ دعوة الهيئات الناخبة للمقيمين وغير المقيمين وفقَ قانون الانتخابات الساري المفعول، أي قانون الستّين، وتمّ إرساله إلى مجلس الوزراء لكي يوقّع عليه الوزراء بناءً للآلية المتّفَق عليها بالتوقيع على المراسيم.