IMLebanon

مناطحة … على كل الجبهات والحلبات

أسلوب التعامل الدارج في هذه الأيام، كأنما يكاد أن ينحصر في أسلوب المناطحة والعناد والمكابرة وإيصال الأمور، سهلة كانت أم معقدة، إلى حافة الهاوية والأبواب الموصدة والحيطان المسدودة كائنا ما كانت نتائجها، على الوطن والمواطنين، مرّة ومؤذية.

من هذا القبيل، قضية إقرار سلسلة الرتب والرواتب وملحقاتها وسبق الإصرار على تدفيع ثمنها من أرصدة مستقبل الطلاب واقتطاع أثمانها ومخاطرها على الإقتصاد الوطني والعملة الوطنية، من حساب عمرهم وسنتهم الدراسية التي كان هناك إصرار من الأساتذة وروابطهم ولجانهم التمثيلية على تدفيع ثمنها للطلاب ولأهلهم المتلهفين على وضع أبنائهم أمام مدارج الحياة، بعد أن ضاقت أمامهم السبل، وملأتها تطورات وتفاقمات الأحداث المتتالية والمتعاظمة بالمتاريس والمطبات والمصاعب المادية والمعنوية المختلفة.

أصرت الروابط التربوية على موقفها المتعنت، رافضة تصحيح مسابقات ما يناهز المائة والأربعين ألف طالب، وأشترطت للعدول عن هذا الموقف الغريب العجيب، أن يعدل النواب عن تقيدهم بالدستور اللبناني الذي يفرض على المجلس النيابي الإمتناع عن التشريع حتى يتم انتخاب رئيس للجمهورية، ولما كان بعض النواب هؤلاء هم أيضا من هواة المناطحة والمشاكسة والعناد والمكابرة في السياسية وقد اتخذوا من ذلك نبراسا وراية خفاقة يرفعونها في معظم مواقفهم ومواقعهم، فلا ينتخب بعضهم رئيسا جديدا للبلاد إلاّ إذا وافق الجميع على المرشح الفرد صاحب الشعار المدوي، «أنا أو لا أحد، ومن بعدي الطوفان»، ويرفض الآخرون النزول للمجلس النيابي تلبية لمطالب التشريع وإصدار القوانين كائنا ما كانت أهمية الحاجة إليها لتسيير أمور البلاد والعباد: واحدة بواحدة، وليصب البلد بالشلل النصفي أو الكلي، وليتدبر المواطنون أنفسهم بالتي هي أسوأ، ومع ميلنا إلى الإقتناع بأن الفريق المتقيد بالدستور وأحكامه والممتنع عن التشريع قبل إجراء الإنتخابات الرئاسية ومع قناعتنا بأن إقرار الزيادات والإلزامات المالية المطلوبة، لا يمكن اعتماده إلاّ بعد إقرار المبالغ اللازمة التي تخول المسؤولين إقرارا لا يضع مالية الدولة وسلامة ميزانيتها في خبر كان، ويرهق المواطنين بإلزامات جديدة تزيد الأعباء المعيشية والمشاكل الإجتماعية ورما وتفجرا، الأمر الذي ينسحب سلبا على أوضاع البلاد الحافلة بالأزمات والمعضلات. ومع ميلنا إلى اعتبار أن موقف وزير التربية ومن خلال قراره بإعطاء إفادة للطلاب ذهب فيه إلى تطبيق مبدأ: مكره أخاك لا بطل، حيث كان هذا الموقف أكثر ميلا إلى تحقيق المصلحة العامة، وفي طليعتها مصلحة الطلاب الذين رفضوا ورفض ذووهم قبلهم أن تضيع سنة دراسية كاملة عليهم، فالعمر الذي يمضي بالجميع بسرعة البرق، لا يمكن أن يكون خاضعا لعبث العابثين، ومناطحة المناطحين.

ومع ميلنا إلى اعتبار أن قادة الأساتذة ورؤساء روابطهم ولجانهم لم تكن مواقفهم لتحظى في شقها الأخير القاضي بالإمتناع عن تصحيح مسابقات الطلبة، بأي قدر من تجاوب المواطنين، خاصة بعد إصرارهم وإصرار القيادات المسؤولة عنهم، على مواقفها المتعنتة وإصرارهـا على مبدأ المناطحـة دون مراعاة كافية لأوضاع البلاد وأوضاع الطلاب، وهكذا ذهب كثيرون من مواكبي الحدث التربوي الذي خرج عن نطاق الممارسة التربوية السليمة، إلى أن روابط و لجان الأساتذة قد خسرت المعركة بالنقاط وبالضربة القاضية معا، بينما كان في مقدورها أن تحقق كثيرا من المكاسب ومزيدا من التأييد الشعبي الذي اكتسبته في بدايات تحركاتها، نظرا لاستنادها إلى حق متوجب معقول ومقبول، فحولته سياسة المناطحة والمشاكسة، إلى قضية خاسرة، سيلزمها كثير من الجهد لإحيائها والسير بها في هذه المرحلة بكل مزالقها ومطباتها.

ونتيجة للتطورات التي واكبت قضية تصحيح الإمتحانات والتي حفلت بمواقف التحمية والتصعيد، وصولا في ذلك إلى حد الدعوة إلى إضراب عام مشفوعا بحشودات واعتصامات شاملة، الأمر الذي يزيدنا غرقا في مستنقعات المناطحة والمشاكسة والتصعيد، تعقدت الأمور واختلط حابلها بالنابل، وتداخلت قضاياها المعقدة بقضاياها الأكثر تعقيدا.

– هكذا شأننا في لبنان اليوم، في كثير من شؤوننا وشجوننا، وها هي قضية الإنتخابات الرئاسية تحرمنا من تحقيق حياة سياسية متكاملة من خلال انتهاجها نفس المبدأ واتخاذها نفس الموقف المناطح والمكابر.

ها هو الجنرال عون في موقعه وفي موقفه لا يحيد عنه قيد أنملة، هو يريد الرئاسة له وحده لا شريك له فيها دونما أية مراعاة لما هو واضح من خلال تطور الأحداث الرئاسية بأن بينه وبين الرئاسة مسافات بعيدة، فالعوائق كثيرة والموانع أكثر، ولا حاجة لنا لترداد ما سبق أن أدلينا به وأدلى به كثيرون بهذا الخصوص، فقد تكدست الموانع والروادع والعقبات بما هو معروف وملموس من قبل الجميع.

وها هو الجنرال عون مستمر في سياسة المناطحة، متشبث بترشيح نفسه دون أن يسمي نفسه مرشحا، وها هو السيد حسن نصر الله، يرشحه تلميحا دون أن يسميه كذلك، داعيا أخصامه إلى أن يذهبوا إليه ويناقشوه ويحاوروه، وإلى أن ينتخبوه كائنا ما كانت نتائج المناقشة والحوار، فالمطلوب وفقا لكلام السيد ِ، أن يعمدوا الى انتخاب هذا الشبح الذي لا يسمى، ذاكرا أن إسمه والحرف الأول من إسمه معروفان من رافضيه، فبقي ترشيح من لا يسمي ترشيحا هيوليا تماما كما هو الوضع العام، هيولي وفارغ من كل مضمون جدي، فالمضامين الملمح إليها تخفي وتبطن الكثير ولا تجيب على تساؤل وارد وملموس، وهو أن الذي لا يسمى، ليس هو المرشح الحقيقي لحزب الله وأن خيارات الحزب ولأسباب عديدة ترسل طرفها إلى غيره، وهي بمواقفها الغامضة الحالية، ترد إليه بعض الجميل على مواقفه المتماهية معها ومع أهدافها وممارساتها، ومن لا يسمى، غارق حتى أذنيه في مماشاة الحزب ومن هم خلفه وأمامه ومن حوله، ومع الإصرار على اعتبار « الشبح» الملثم والمتكتم على ترشيحه للرئاسة يمثل المناطحة والعناد في أوضح تجلياتهما.

مناطحة قاسية مصرة على الترشيح، ومناطحة ومشاكسة من قبل حلفائه تمريرا للوقت وإبقاء للحال القائم بفراغه الدستوري في اكثر من سلطة ومن مجال، وتحسبا وترقبا لمصير أحداث المنطقة، خاصة منها ما تعلق وما هو متعلق بإيران وسوريا والعراق وبعض الملحقات من بلدان المنطقة.

مناطحة لها أشكالها وألوانها، وعناد له وضعيته وحيثياته، وبلد يرفض الكثيرون اعتبار أن له ميثاقا وطنيا ودستورا وقوانين وأعرافا، يقتضي أن تطبّق، وأن يأخذ الجميع بها وبأحكامها. ما هو حاصل اليوم هو أن لبنان بات دولة «كل مين إيدو إلو»، وما يفرّق بين يد ويد، هو الحجم والتنظيم وانتشار السلاح وفاعلية القوة التي تمد أياديها وعقولها وايديولوجياتها، إلى الخارج، القريب والبعيد.

إلى المتناطحين: قليل من الرأفة بهذا البلد وواقعه وحاضره ومستقبله، حاله المتردية تماما تدل على أنه لم يعد يحتمل مزيدا مؤذيا من المناطحة والعناد.