دقّ الرئيس نبيه برّي ناقوس الخطر وحذَّر من الإنهيار، قال إنّ «النار تُزنّر لبنان، فلنذهب الى إطفائها؟!». شغَل كلامه الرأي العام، وأحدَث تموّجات من القلق حول المستقبل والمصير… ونعى النتيجةَ سلفاً: « لم نبلغ سنّ الرشد؟!».
تزامَن كلام برّي مع عودة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ديريك بلامبلي الى بيروت بعد تقديمه مطالعة أمام مجلس الأمن عن القرار 1701. عودته متواضعة، ولم تكن بحجم الآمال التي رافقت زيارته النيويوركيّة. قيل يومها كلام عن مبادرة يحملها تتعلّق بالإستحقاق الرئاسي، ذهب ليسوّقها مع أعضاء مجلس الأمن مدعوماً من فرنسا، ليُصار الى تبنّيها بصيغة بيان رئاسي، أو نداء يصدر عن المجلس.
كانت المجموعة الدوليّة لدعم لبنان تنتظر من برّي كلاماً من نوع آخر. مبادرة وطنيّة عمادها وريقة تتضمَّن مجموعةً من النقاط «سلّة متكاملة» يدعو على أساسها الى حوار وطني في مجلس النواب لرَسم الآليات التنفيذيّة. كانت تنتظر منه، وهو الشخصيّة الوطنيّة المحوريّة أن يرسم آليةً توافقيّة لإنتخاب رئيس للجمهوريّة، يُصار الى تسويقها لدى عواصم دول القرار والتأثير، لوضعها موضع التنفيذ، أو – كونه الشخصيّة الشيعيّة الوطنية المرموقة – أن يزفّ الى اللبنانيين والعرب والعالم بشرى قرار إتَّخذته قيادة «حزب الله» بالإنسحاب من سوريا، وسائر المحاور الأخرى، والعودة الى البيت اللبناني لتدعيم أساساته قبل أن ينهار على رؤوس الجميع.
ما أعلنَه كان فعل مصارحة ومكاشفة، قال للمجموعة الدوليّة «إنّنا لم نبلغ سنّ الرشد»، وقال للبنانيّين «النار تُزنّرنا، فلنذهب لإطفائها»، لكنّ النتيجة معروفة: لا المجتمع الدولي يملك آذاناً صاغية في هذه المرحلة، ولا اللبنانيّين متحمّسين للعمل كفريق إطفائيّ واحد».
عاد بلامبلي بإنطباعات «تقدّم «داعش» مثار قلق، والوضع في الجنوب خطر، ويفترض ملء الشغور الرئاسي سريعاً، وما عدت به من نيويورك هو أهمية وحدة مجلس الأمن والمجتمع الدولي في دعم الإستقرار في لبنان ووحدة أراضيه، ولكن على اللبنانيّين الاضطلاع بمسؤولياتهم الوطنيّة… إلّا أنهم لم يبلغوا سنّ الرشد بعد!»
ماذا على جبهة النائب وليد جنبلاط، وما مصير المبادرة؟
عاد يتمسّك بمرشّحه. لم يعد بلامبلي بجديد يمكن البناء عليه. برّي في ذروة التشاؤم: «الوضع على الحدود اللبنانية – السوريّة لا يبشّر بالخير، الصواريخ المجهولة عنوانها واضح، هناك مَن يسعى الى نسف القرار 1701 وتغيير المعادلة السائدة في الجنوب، إيران تتصرَّف وكأنّها مستهدَفة في كلّ من العراق، وسوريا، ولبنان، وليس من بصيص أمل في الأفق».
إضطرَّ جنبلاط الى تأكيد ما هو مؤكّد لأنّه إكتشف أنّ الظروف المؤاتية لإنضاج المبادرات غير متوافرة بعد، والكرة لا تزال في ملعب «حزب الله»، كأن يُقنع السيّد حسن نصرالله الجنرال ميشال عون بالإنسحاب، ويتولّى برّي إقناع السيّد بهذا التوجّه، ويبادر الرئيس سعد الحريري من جهته الى معالجة الموقف مع الدكتور سمير جعجع، ليُبادر جنبلاط الى سحب مرشحه لمصلحة رئيس ماروني قوي بوطنيّته لا بطائفته.
جرت محاولة – ولا تزال – لإنضاج «تفاهم رئاسي» بين بكركي، و«حزب الله»، و«أمل»، وتيار «المستقبل»، والوسطييّن. لكنّ حسابات الحقل المحلّي لم تتوافق وحسابات البيدر الدولي – الإقليمي. فتَحت الساحة العراقيّة أبواب النزاع في المنطقة على نحوٍ مخيف.
ويشهد خطّ التوافق السعودي – الإيراني مزيداً من التصدّع. خطر «داعش» يتعاظم. «حزب الله» في مأزق، حروب الإستنزاف تستنزفه، ولا يعرف كيف سيخرج منها، ومتى؟ فيما القيادات المارونية تُدير آخر معاركها الإلغائيّة على آخر ما تبقى للطائفة من مواقع نفوذ وتأثير في الدولة، والنظام، والكيان… ويبقى يا دولة الرئيس منك الوئام… لا الكلام؟!».